في ظل غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف الحياة، تقبع فئة ضخمة من المجتمع في زاوية ضيقة من زوايا الحياة حيث الفقر والعوز وضيق ذات اليد.. وتغلي بصمت تحت نيران غلاء الأسعار، لتتنازل عن كثير من الضروريات لتبقى ضرورات أخرى على قيد الحياة.. مستفيدو الضمان الاجتماعي، تلك الطبقة المطحونة من طبقات الشعب السعودي الممتد عبر اتجاهات المملكة الأربعة، والتي دخلت منذ سنوات صراعاً غير متكافئ مع متطلّبات العيش المنهكة، والتي باتت تزداد يوماً بعد يوم بمرتبهم الشهري البسيط الذي يتقاضونه من الضمان الاجتماعي وهي الجهة التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، والذي لا يتجاوز التسعة مئة ريال للأرملة والمطلقة والكبيرة في السن وحدها، ولك أن تتخيّل عزيزي القارئ ما يمكن أن تفعله 900 ريال في زمن كهذا؟؟ فمن أين تبدأ في تلبية مشوار الاحتياجات التي باتت تكسر عظام الظهر، حيث تبدأ بالغذاء والكساء وتصل إلى تكاليف النقل وتلبية مصاريف الهاتف الجوال الذي أصبح ضرورة بعد أن كان رفاهية، وانتهاءً بشراء بعض مستلزمات البيت والاحتياجات الشخصية ودفع فواتير الهاتف وراتب السائق والخادمة الذين يعينون هؤلاء في تنظيم شؤون حياتهم، أما بعض الأسر فتتقاضى راتب ألفيْ ريال أو أكثر بقليل في الشهر، ذلك المبلغ شديد الزهد والتواضع والذي لا يكفي لتغذية أسرة كاملة لمدة شهر، فما بالك بدفع إيجار البيت وتسديد الفواتير وتأمين احتياجات الأسرة الأخرى.
مستفيدو الضمان يعيشون صراعاً لا يعلمه إلاّ الله من أجل إبقاء بعض النقود حتى نهاية الشهر، وإن فاجأهم القدر بطارئ ما، فلا يجدون إلاّ الشوارع والتسوّل يتلقّفهم، أو يرجون الله أن تحنو عليهم أيادي أهل الخير أو ربما ينتظرون موسماً يبحث فيه الناس عن الأجر مثل شهر رمضان، حتى يطرق عليهم “فاعل خير” الباب ويمد لهم مبلغاً لعله يكون لهم سنداً وعوناً، فلماذا نجعل أوضاعهم رهن الأقدار؟ ورزقهم بعد الله في أيدٍ قد تعطي يوماً ًوتغيب أياما ًطويلة؟ ولماذا لايزال ملف مستفيدي الضمان وأجورهم البسيطة عصياً على الحل على الرغم من أننا أبناء إحدى أثرى دول العالم؟ لماذا يكثر الفقراء حول بحيرات النفط الذي قد يقفز بأحوالهم ويصلحها.
ما أعرفه جيداً أنّ قرار زيادة رواتب مستفيدي الضمان ليست في حقيبة وزارة الشؤون أو الضمان نفسه، بل إنه يخرج من بوابة مجلس الوزراء، الذي يرتاده أسبوعياً معالي وزير الشؤون الاجتماعية، والذي نطالبه اليوم بأن يقدم طلباً لمليكنا الوالد عبد لله بن عبد العزيز برفع قيمة الرواتب، نظراً لغلاء المعيشة، وأطالب معاليه بأن ينزل إلى الشارع ويأخذ جولة في الأحياء التي تعجّ بالفقر والجوع - كما فعل والدنا خادم الحرمين ذات يوم - وأن يضع كل مستفيدي الضمان ورواتبهم الزهيدة نصب عينيه، ويطالب بتعديل أحوالهم والارتقاء بمستوى معيشتهم المضنية.
أخيراً، وللأمانة والإنصاف.. للوزارة مبادرات ولفتات طيبة في المساعدات الجانبية لمستفيدي الضمان، مثل المساعدات السنوية المقطوعة، ومساعدة فاتورة الكهرباء والغذاء ومساندة الأسر المنتجة، لكنها ولله العظيم لااااا تكفي! وأنّ الشق أكبر من الرقعة، ليبقى أملنا في أن يلتفت إلى أحوال مستفيدي الضمان ويقر رفع مكافأتهم ويعز حالهم ويرتقي بأحوالهم، فكثير منهم تحسبهم أغنياء من التعفُّف.
Twitter:@lubnaalkhamis