ليس من شك أنّ كلّ عبادة شرعها وفرضها الله لعباده، لها من الأثر الطيِّب ما يدفع المؤمنين الصادقين في ايمانهم لأدائها.كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، حيث إنّ ما أوضحَتْه الآية الكريمة السابقة من آثار الصوم وغاياته وسمو مقاصده، هي إعداد النفس البشرية للتقوى وتهيئتها لمراقبة الله سبحانه وتعالى والإحسان في المعاملة، سواء منها ما يتصل بمعاملة الله أو معاملة خلقه.ومن أبرز الأدلة على حسن معاملة الله في الصوم أن يكون عن إيمان صادق بأنه فريضة الله على خلقه فرضها لمصلحة عبادة.فالإسلام جعل الصوم سمواً لإدراك أكرم غاية وتدرجاً في مجالات التقوى - فمجالات التقوى واسعة المدى يسلك المؤمن دروبها في هذا الشهر الفضيل، والمسلم يؤدي كل الشعائر الدينية، لأنه يؤديها خاصة لوجه الله وطلباً لرضاه. وأجره على الله بقدر ما بذل من صبر وتحمّل وبقدر ما أخلص في أداء العبادة وجاهد نفسه على الطاعة والصوم في طليعة ما يتطلّب الصبر والتحمُّل والإخلاص في لأداء، بحيث لا تبدر من الصائم بادرة تنم عن تبرّم أو ضجر أو تجنٍّ على الناس، وقد تنوّعت فيه درجاتهم وتفاوتت عزائمهم في الإخلاص له وشموله لكل الجوارح، بحيث لا يقصر عن الكف عن الطعام والشراب، وإلى جانب ذلك صوم السمع والبصر واللسان وكل الجوارح، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ نبيّنا محمّداً صلّى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ الله إيماء إلى الشمول وعدم المحدودية ومن ثم يتضح هدف الحديث الشريف (رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش)، فيا عبد الله - إذا صمت - فليصم سمعك وبصرك ولسانك وجميع جوارحك، ولا يكن صومك ويوم فطرك سواء.
قال صلى الله عليه وسلم (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) أخرجه البخاري ومسلم.
لاشك أنّ هذا الثواب الجزيل لا يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط، وإنما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) أخرجه البخاري.
فالواجب على العبد المسلم أن يكثر من قراءة القرآن الكريم في هذا الشهر الكريم، وقد كان حال السّلف - العناية بكتاب الله، فكان جبريل يدرس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في شهر رمضان المبارك، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم مرة، وكان السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل أسبوع وبعضهم في كل عشر، فكانوا يقرؤون القرآن في الصلاة وفي غيرها، فكان للإمام الشافعي - رحمه الله - في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وكان الأسود يقرأ القرآن كل ليلتين في رمضان، وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف الشريف، وكان سيفان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.
أسأل الله أن يجعلنا من المقبولين في هذا الشهر المبارك.
عبد العزيز صالح الصالح