من الصعب أن تجد ما تقوله عن رحيل نايف بن عبدالعزيز. ومن الصعب أيضا أن تكتب شيئا لم يكتبه خبراء السياسة والأمن في هذا الرجل المصاب فقده.
لكنني ارتأيت أن أذكر مآثر هذا الرجل من خلال موقفه مع أحد أبناء هذا الوطن وهو كاتب هذه السطور.
في عام 1416هـ كان طموحي أن ألتحق بكلية الملك فهد الأمنية وكنت ككثير من الشباب أمتلك الحماسة والطموح لخدمة الوطن عن طريق مؤسساته الأمنية والعسكرية.
الإقبال الكبير الذي تحظى به الكلية من قبل خريجي الثانوية العامة كان عقبة صعبة في تحقيق طموحات الجميع، فكان لا بد أن يتم قبول أعداد بسيطة بالنسبة لعدد المتقدمين الضخم.
أعلنت الأسماء في ذلك العام وأصبت بخيبة كبيرة لعدم قبولي في الكلية ووقتها لم يدر في مخيلتي إلا أمر واحد وهو مقابلة الأمير نايف شخصيا بهدف منحي قبولا في الكلية.
اتجهت إلى مبنى وزارة الداخلية وانتظرت مع عدد من المواطنين قدوم الأمير وكنت أول المنتظرين في قائمة طويلة.
فور وصول سموه ونزوله من سيارته تقدمت بخطاب طلب التحاقي بالكلية الأمنية ولانتهاء إجراءات القبول، اعتذر سموه متواضعا لكنني ألححت عليه بالطلب فلم يشأ أمام هذا الإلحاح أن يكسر طموحاتي بتكرار الاعتذار فما كان منه رحمه الله إلا أن أنزل «بشته» بهدف إهدائه لي..
فقلت له إن إهداءك هذا فخر وموقف لن أنساه لكنني أريد القبول في الكلية.
وأمام هذا الإصرار أراد أن يزيد من حجم الهدية السابقة فقام باستدعاء سائقه وقال له: اعطه مفتاح السيارة.. وكان يقصد سيارته رحمه الله وهنا أيضا اعتذرت لسموه وأعدت الكرة بطلبي القبول في الكلية. بعدها أخذ بيدي وجعلني بجانبه حتى أكمل سلامه على زائريه وعندما انتهى من السلام اصطحبني معه إلى مكتبه داخل ديوان الوزارة وحينما جلس قال لي: يا ولدي الكلية انتهي أمرها ولكن ادخل الجامعة وعد لي وابشر بما تريد. انتهى هنا اللقاء بسموه يرحمه الله.
هذا اللقاء الأبوي لم يكن يعطي إلا دلالة واضحة على الطريقة التي يتعامل معها نايف بن عبدالعزيز مع أبنائه. فلم يشأ سموه أن يكسر بخاطري حينما رأى طموحي فعرض علي هديته الأولى تقديرا لهذه الطموحات ولم يشأ سموه أن يكسر بخاطر إصراري على طلبي فعرض علي الهدية الأخرى وحينما رأى استمراري في طلبي أخذني بيده واصطحبني كما يصطحب الكبار ضيوفهم وأهدى إلي كلماته الحانية والتي لم يرد منها سموه إلا الحفاظ على الهيبة الإدارية والتنظيمية للكلية.
قد لا يعلم سموه أن كلماته كانت لي دافعا ونبراسا أستضيء به. وقد لا يعلم سموه أيضا أني خرجت من مكتبه بإصرار وطموحات تفوق ما كان بداخلي قبل مقابلته. رحمك الله يا نايف بن عبدالعزيزرحمة واسعةًًً.
- هيئة التحقيق والادعاء العام