يَعتبرُ بوتين أن العالم يعيش منذ انتحار الاتحاد السوفيتي فترة انتقالية، لا يلبث أن يعود لموسكو دورها العالمي ومكانتها في تقرير مصير العالم، على الرغم من إدراكه تخلّفها العمودي عن التقدم التقني المذهل الذي تصنعه الدول الكبرى.
لا يعترف بوتين بأن روسيا تُعاني من تدهور سريع في “المخزون الجيني”، ونزيف العقول إلى أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل، يتهدّدها مصير الاتحاد السوفيتي نفسه، الذي كان مُؤلفا من جمهوريات متنوعة الأعراق والأديان والطموحات. إضافة إلى أنها الدولة الأولى في الإدمان على المخدرات والكحول، والثانية في الفساد. ويتجاهل بوتين حالة انكماش روسيا الاستراتيجي، الذي جعلها مُحاصرة من جميع الجهات بأزمات عالمية مزمنة، لا قبل لها بمواجهتها. كذلك يتناسى بوتين أن “الاتحاد” الروسي خليطٌ حادّ التعقيد يجمع قسريا جمهوريات وأقاليم مختلفة ومتناقضة. الثورة السورية - يقول باحث روسي متخصص - أصبحت تؤثر مباشرة في جمهوريتي (تترستان) و(بشكورتوستان)، في قلب العمق الروسي، وهي ثورة تُثير حماسة الحركات الإسلامية والقومية في هاتين الجمهوريتين.
عدد المسلمين الروس، وجميعهم سنّة، يتراوح ما بين 23 و25 مليون نسمة، يُمثلون نسبة 17 في المائة من سكان روسيا. من هنا، أصر وزير خارجية روسيا لافروف على أن بلاده لن تسمح بقيام دولة سنية في سورية.
شكّل بوتين، في العام 2005م، تنظيمات ميليشوية تُشبه تنظيمات الشبيحة العسكرية، التابعة لنظام الأسد، تم تدريب أفرادها على الدفاع عن النظام تحت شعارات محاربة الاستعمار الغربي والدفاع عن روسيا، و”روسيا للروس فقط”. (ناشي) هو الاسم الحركي لتنظيمات الشبيحة البوتينية هذه، ومعناها هو “أتباعنا”.البائس أن هذه التنظيمات ترفع شعار مناهضة الفاشية، ولو سألتَ أفرادها: منْ هم الفاشيون في روسيا؟ لأجابوكَ فورا: هم كل الخونة والعملاء المعارضين لفلاديمير بوتين.
من المهم جدا ربط موقف روسيا من الثورة السورية، بعلاقات موسكو مع إسرائيل، التي لا زالت ثابتة على موقفها بضرورة الإبقاء على النظام السوري، لكنها بدأت تستسلم، عمليا، لواقع رجحان انتصار الثورة السورية، والاستعداد العسكري والسياسي لما بعد الأسد.
تضم إسرائيل أكثر من مليون ونصف المليون يهودي من أصول روسية وسوفيتية، لهم تأثيرهم البالغ على حركة السياسة الخارجية الإسرائيلية. فضلا عن وجود ما بين خمسة إلى ستة ملايين أسرة روسية لها أقارب وأصدقاء في إسرائيل.
المهم أكثر أن نربط بين موقف بوتين من الثورة السورية وبين زيارته، التي هي الأولى والاستثنائية، لإسرائيل، بُعيد عودته، من جديد، قيصرا لروسيا.
ثم، هل سأل أحد من أعمدة النظام السوري ومؤيديه، كلاّ من وزيرة الخارجية الأمريكية، والمرشد الأعلى لولاية الفقيه: ما الذي تعنيه وزارة الخارجية الروسية بتأكيدها الحاسم على أن “ شكل النظام العالمي المقبل، سيكون مرهونا بطريقة تسوية الوضع في سورية”، في الوقت الذي كان بوتين عرّابَ سهرة نوعية “ضيقة” مع كبار زعماء إسرائيل الفاعلين في تل أبيب، الذين لا زالوا مُصرين على الإبقاء على الوضع السوري على حاله، حتى يتآكل من داخله، وتتفكّك سورية، كيانا وشعبا؟
بوتين استعرض أمام زعماء إسرائيل المجازر التي ارتكبها شبيحته وقواته العسكرية، تحت قيادته وإشرافه، في (غروزني) بين أعوام 1994 و1999، وركز على مقارنتها بمجازر نظام الأسد في مدينة حمص، بشكل خاص، وأكد - مُطمئنا الإسرائيليين - على أن خطط مجازر (غروزني)، روسيا، طبّقها حرفيا بشار الأسد، في سورية.
هل نقرأ، غدا، عن صفقة إسرائيلية - إيرانية - روسية، تُخيط بلاد الشام من جديد، أو تُعيد نسْجها، أو تقوم بترقيعها؟
Zuhdi.alfateh@gmail.com