صحيفة “سبق” الإلكترونية فجرت أو على الأقل أظهرت على السطح إحدى فضائحنا الأكاديمية، فقد ذكرت هذه الصحيفة بتاريخ 11 رمضان 1433هـ ما نصه: (حصلت “سبق” على نص بحث علمي عن “توحيد محتوى مناهج المواد الاجتماعية في التعليم العام بدول مجلس التعاون” أعده باحث “سعودي”
حصل به على درجة الماجستير، فيما قام عميد كلية بجامعة سعودية فيما بعد بالسطو عليه ونشره باسمه في مجلة علمية محكمة تصدرها جامعة أخرى ليترقى به إلى درجة أستاذ. وعلمت “سبق” أن عدداً من الباحثين اكتشفوا عملية السطو على رسالة الماجستير من قبل “العميد” ويجري تداول الفضيحة العلمية في الأوساط الأكاديمية بالجامعة). انتهى الاقتباس.
مع العلم بأن البحث المدعى سرقته قد أعد عام 1421/1422هـ وذلك بحسب الصحيفة ذاتها، التي عرضت أجزاء من البحثين (البحث الضحية والبحث الجاني). وقد حظي “الخبر الفضيحة” بأكثر من 220 تعليقاً، مما يشير إلى أن المجتمع بات مهتماً بمثل تلك القضايا، وذاك مؤشر نهضوي جيد مع حاجته إلى التعزيز التوعوي المستمر. ولعلي ألتقط بعض التعليقات على ذلك الخبر، مع إيرادي للتعليقات بنصها ونبضها وقائلها؛ بغية إيصال أكبر قدر ممكن من دلالاتها وانعكاساتها واستحقاقاتها وفق شريحة مجتمعية متفاعلة مع ذلك الحدث الجلل:
- المرتهش يقول: “صادوه، المهم مع احترامي الشديد للجامعات السعودية والعربية إلا ان بحوثكم لا تحقق الحد الأدنى من العلمية كلها قص ولزق من بحوث وكتب مترجمة، كان الله في عون الغرب نشتمه ليل ونهار ثم نسرق جهود علمائه”.
- عابر 101: “أيتها العير إنكم لسارقون”.
- Hvhggi: “عيب العلم لا يسرق، كل شيء ممكن يسرق إلا العلم لا يمكن يسرق”
- قزعان: “اهب الله لا يوفقه افضحوه”.
- اربط الضيف ورحب بالفرس: “ايييييييييييييه هيه حصلت -- يا مختلس ليش كذا ليش تأخذ درجة الأستاذ بالحرام، اجل وش خليت للي تحتك”.
- مع محمد وصحبه: “عادي جداً والحمد لله كشفت السرقة. مجتمع أعضاء هيئة التدريس ينخر فيه الفساد حتى العظم”.
- حسن بن سعد القرني: “الله يخليكم يا سبق أعلنوا عن اسم العميد واسم الجامعة حتى يكون عبرة لمن لم يعتبر والتشهير علاج لأمثاله”.
- Mohammed1985: “أجمل تحية لوزير التعليم العالي، ونشوف شو بيسوي”.
في واقع الأمر، السرقات العلمية لا يخلو منها أي مجتمع، بما في ذلك المجتمعات المتقدمة علمياً، غير أن تلك المجتمعات تبادر بتطبيق التشريعات بكل صرامة حمايةً لـ “جناب العلم” وصوناً لـ “قدسيته” و”طهوريته”، وتتضمن تلك التشريعات عقوبات رادعة؛ بما في ذلك سحب الشهادات وإبطال الترقيات العلمية التي انطوت على أي سرقة علمية بأي شكل كان، والجميل أننا بدأنا نشاهد دولاً لا تصنف ضمن الدول المتقدمة تفعل الشيء ذاته حتى مع تقادم “جريمة السرقة العلمية”، والسرقة في الحقيقة لا تبطل بتقادم الزمن. ومن ذلك ما حصل مؤخراً في “المجر” حيث أقدمت جامعة “سمالفايس” بمدينة بودابست على سحب شهادة الدكتوراه من رئيس الجمهورية “بال شميت” من جراء اقترافه لسرقة علمية في أطروحة الدكتوراه، وقد كان ذلك قبل20 عاماً، مما تسبب في دفعه لتقديم استقالته من منصب الرئاسة، بعد أن تظاهر العديد من المجريين (أنظر: سيف المعمري، الجامعة تسحب شهادة الرئيس، جريدة الرؤية، 14/4/2012)، وهم محقون فهم لا يرغبون بأن يكون رئيسهم “سارق” و”كذاب”، وكل الشعوب كذلك.
طبعاً، لا أحد يدري عن مدى صحة الخبر الذي أوردته صحيفة “سبق” وأشرت إليه في مقدمة هذا المقال، الأمر الذي يتطلب تحقيقاً دقيقاً صارماً يوصلنا إلى الحقيقة، وهنا أشير إلى أن السرقات العلمية في بيئتنا الأكاديمية كثيرة، بل تتكاثر بوتيرة مخيفة، ونحن نشاهد ونسمع عن “سرقات علمية” في بعض جامعاتنا السعودية سواء في الرسائل العلمية أو في أبحاث الترقية لبعض الأكاديميين السعوديين أو للأكاديميين العرب أو غير العرب ممن يعمل في تلك الجامعات، مع عدم القيام بما يجب إزاء بعضها وربما أكثرها للأسف الشديد، سواء من قبل الجامعات أو وزارة التعليم العالي. وبمناسبة ذكر وزارة التعليم العالي، أقول بأنني - شخصياً - لم أسمع أن الوزارة تتدخل في السرقات العلمية التي تحدث في الجامعات السعودية، وهذا خلل كبير، يجب العمل على سرعة معالجته، فنحن إزاء مشكلة عويصة ومتنامية، وقد تأتي على ما “بقية الهيبة الأكاديمية” في عقول المجتمع ووجدانه، وقد رأينا كيف ألمحت بعض التعليقات إلى اهتزاز الثقة في فضائنا الأكاديمي، وأنا لا ألومهم إطلاقاً، فهم يشاهدون ويسمعون الكثير والكثير من التجاوزات العلمية. وبمطلق الشفافية، أقول بأن من حق كل أكاديمي شريف أن يطالب بالحفاظ على هيبته الأكاديمية، وأن ُيصان الشرف العلمي ويلتزم بالأخلاق البحثية؛ هذا إن كنا نروم أن نجعل من البحث العلمي أداة فعالة لتشخيصنا أدوائنا وبلورة حلول ناجعة لها، كما تفعل “المجتمعات الذكية”!
وبمنظور استشرافي، أقول بأن غياب الآلية الصارمة على مستوى وزارة التعليم العالي فيما يخص “الجرائم العلمية” في الجامعات السعودية ربما يُلحِق بنا ضرراً بالغاً في المستقبل القريب أو البعيد، فالمؤسسات العلمية والحقوقية الدولية لن تدع الفضائح العلمية تمر إن هي علمت بها، خاصة إن كانت تتضمن أضراراً أو إجحافاً بالحقوق الفكرية بطريقة أو بأخرى. أقول هذا مع استدعائي لفضائح التلاعب بالتصنيفات العلمية الدولية كما أثير في الآونة الأخيرة؛ مع تصدي بعض الأكاديميين الشرفاء لها كمحمد القنيبط وحمزة المزيني وعادل المقرن.
وفي ضوء كل ما سبق، أطالب وزارة التعليم العالي بالإسراع بوضع واعتماد آلية دقيقة وصارمة لمعالجة جرائم السرقات العلمية في بيئتنا الأكاديمية وكبحها بلا هوادة، كما أطالبها بالتحقيق في جرائم السرقات العلمية الحالية التي تحدث في الجامعات السعودية، وعلى رأسها الخبر السابق المنشور في صحيفة “سبق” وذلك بأسرع وقت ممكن، وبالطبع لن يكون أمامنا في هذه الحالة إلا إحدى نتيجتين: إما أن الخبر صحيح ومن ثم يتعين تطبيق العقوبات على من قام بالسرقة العلمية بما في ذلك إبطال ترقيته العلمية مع الإعلان عن ذلك الإجراء لتحقيق الردع المطلوب، أو أن الخبر عارٍ عن الصحة، وهنا يجب استدعاء وزارة الثقافة والإعلام للتحقيق مع الصحيفة الإلكترونية التي نشرت الخبر مع ادعائها بأنها تمتلك الأدلة والبراهين.
وأخيراً أقول، بدهي أن مسألة “السرقات العلمية” تعني مؤسسات تشريعية ورقابية عديدة، ويتوجب عليها أن تقوم بمهامها النظامية، ولن أسمي منها شيئاً، فهي أعرف بدورها ووظيفتها العامة. مع شكري وإجلالي لكل من يصون الحرم المقدس للبحث العلمي.
beraidi2@yahoo.com