الفارس المحترف المتمكن هو الذي يتحكم بتصرفات حصانه ويقوده بالاتجاه الصحيح، وأي تصرف غير اعتيادي أو متهور أو منحرف عن الطريق الصواب لا يتسبب به الحصان بل فارس الحصان نفسه، وبنفس المستوى والمقدار،
فإن أي خلل في المنطوق الذي ينتجه اللسان هو في نهاية المعادلة تجسيد فعلي لما يفكر به صاحب اللسان وما يجول في خاطره وعقلة، إن ما ينطقه اللسان سيصون صاحبه ويحفظه إذا ما كان في الاتجاه السليم من الوقوع في الخطأ، وسيخون صاحبة إذا لم ينتبه ذلك الصاحب إلى الاستخدام الأمثل للسان، إن أخطر خطايا اللسان هي تلك الواقعة من أناس يعدون بأهمية بمكان والذين يبنون كلامهم على أساس تصريحات غير رشيدة وغير سديدة تتعلق بوجهات نظر قد لا تكون صحيحة وقد تتجاوز حدود اللباقة في الجملة والمفردة والقصد والمغزى، إن هناك أناس تخونهم ألسنتهم بعد أن تناسوا حدود الحكمة واللباقة فأطلقوا التصريح تلو التصريح والخطاب تلو الخطاب دون وعي ودون إدراك ودون مخيلة كبيرة أو شفافة، ولعل السبب في ذلك هو افتقار هؤلاء إلى سلامة الرؤية ودقة التصويب ومهارة الفحص التي تصونهم من الزلل والعلة، مبتعدين عن روح المراجعة والتمحيص والتصحيح والتصويب والتعديل التي يجب أن تصب في المصلحة العامة قبل الخاصة، أن انفلات اللسان سرعان ما ينهار صاحبة ويرتد إلى الوراء ويعجز عن التوغل في عمق الناس مرة أخرى، وسيبقى مثل (فلينة) طافية على سطح الماء كلما ضربتها هبة هواء دفعتها بعيدا، أو مثل قصص الخرافة والمعتقدات البدائية والألعاب البهلوانية، ولن يكون له ملاجئ خراسانية في قلوب الناس وضمائرهم، مهما صنع من تبريرات وجاء بأدلة، لأنه غير قادر على الابتكار ويحتاج إلى عقل حر ومميز، أن الإنسان صاحب اللسان يجب أن يكون حكيما فاحصا وناقدا وباحثا وصاحب حركة دؤوبة وعلاقة حية دائمة بالمجتمع وغير متقوقع أو منكفي على الذات ويكتفي بما يجيئه ويسرد له من القول دون التحقيق والتنقيب والتثبت فيما قيل له وجيء له به، أن المشكلة التي وقع بها بعض هؤلاء الناس أنهم يتنافسون في التناقض والتقلبات والمزاجية لأنهم يعيشون في عزلة سرمدية خالدة أدخلتهم في غبش الرؤية وكثافة الدخان، وحين تكون بعيدا عن الحدث تنفصل عن الواقع وحين تنفصل عن الواقع تنفصل عن المجتمع والتأثير فيه، إن البعض من هؤلاء يعيشون في محنة لأنهم ما زالوا يستخدمون السنة استعراضية يجملون بها أحوالهم ويظهرون أنفسهم على أنهم (بارزون) ومهمون بسبب التنافس في لعبة السبق الكلامي وكراسي الشهرة، إن البعض من هؤلاء يتحرك وسط حاضنات ضيقة تشجعه على أن يكون لسانها وديكورها ومضفي عليها الجمال والرونق، أن ما يحصل اليوم من انتعش لساني وحذلقة لغوية من بعض هؤلاء الناس يشبه ذلك (البازار) الكبير المتعدد في البيع والعرض والطلب الذين حاولوا سحب الجملة البلاغية وجعلها قياسا لهم ونحتا لكينونتهم مستخدمين عجائبهم البلاغية وغرائبهم في الطرح والتلقين والمبالغة والتهويل، وكلما أبتعد الناس عنهم ارتفعت حدة نبرة الكلام العالي لديهم وكأنهم يحاورون أنفسهم، وكلما تقدم الناس نحو المدنية والتطور والحداثة والتعليم ارتفعت نبرة النقد الحاد وكأنهم يمثلون كل شيء ويبتغون كل شيء ويرفضون كل شيء، إننا مجتمع لدينا ثقافة خاصة ولدينا ماض يتلاءم معنا ويتجسد ويتحد، ولكن لدينا طموح بارز بأن نعبر برزخ الألم والنكوص ومحاولة التقهقر إلى مصاف غير الكبار، لكن أطروحات ومهرجانات البعض من هؤلاء الناس ونصوصهم البلاغية القاسية وتقلباتهم وأمزجتهم التي بها أهواء وأغراض وأهداف يجعلنا ننكمش قليلا لكننا لن ننام أو نشيخ ولن نموت ولن تذهب أحلامنا أو نذهب للقبح والظلام.
ramadanalanezi@hotmail.com