واحدة من التحولات المهمة في العمل الخيري في بلادنا نزع الاعتمادية المطلقة على تبرعات المحسنين التي قد تنهمر في أوقات معينة، ثم تنقطع في أوقات أخرى بسبب التغيرات التي تصيب الاقتصاد وانعكاسات ذلك على مداخيل الناس وأرباح رجال الأعمال والمؤسسات والشركات في أوقات الركود.
نزع هذه الاعتمادية المطلقة تحقق بالعودة إلى فكرة «الوقف» التي عرفتها المجتمعات الإسلامية عبر عصورها المختلفة.
وقد جاءت أزمانٌ كاد دور الوقف فيها يتلاشى، ثم عاد من جديد ليحقق استمرارية التدفق النقدي للمشاريع الخيرية حتى في أوقات الركود الاقتصادي الذي عادة ما تشح فيه التبرعات فترتبك الخدمات التي تقدمها المؤسسات والجمعيات الخيرية ويتأثر المستفيدون من هذه الخدمات أيما تأثر.
ومن المبادرات الوقفية الجميلة ما تتبناه جمعيات خيرية مثل «جمعية الأطفال المعوقين» التي دشنت قبل أيام مشروعها الوقفي الخيري «خير مكة».. هذا المشروع الخيري سوف يحقق للجمعية مداخيل مالية مستقرة تنفق منها على الأنشطة الخيرية التي تقدمها من خلال فروعها في بعض مناطق المملكة، وهي أنشطة علاجية وتأهيلية وتعليمية واجتماعية تقدمها بالمجان لهذه الفئة الغالية من أطفالنا، ومثل هذه الأنشطة والخدمات المتخصصة تحتاج إلى ميزانيات مستقرة وقابلة للنمو لمواجهة الاحتياجات القائمة واستيعاب متطلبات التوسع المستقبلي، حيث تقدم الجمعية خدماتها في الوقت الحاضر إلى أكثر من ثلاثة آلاف وثلاثمائة طفل وطفلة سنوياً في مختلف أنحاء المملكة. وكانت ميزانية التشغيل للجمعية في عامها المالي 2012 قد تجاوزت ثمانين مليون ريال، فضلاً عن تكلفة المشاريع الجديدة المقدرة بثمانية وأربعين مليون ريال.
ومشروع «خير مكة» يتضمن في مرحلته الأولى إقامة ستة مبان سكنية استثمارية في مكة المكرمة تبلغ تكلفتها خمسة وثلاثين مليون ريال وتخصص مداخيلها لتمويل أنشطة الجمعية. وسوف يتاح لأي شخص المساهمة في هذا المشروع الخيري الوقفي، حيث إن تكلفة إقامة المباني تم توزيعها على أسهم قيمة السهم الواحد ألف ريال، ويمكن للمتبرع أن يختار العدد الذي يناسبه من الأسهم.
ستحتاج الجمعية إلى دعم المتبرعين لإقامة هذا المشروع الذي يتيح للمتبرع أن يكون جزءاً من وقف خيري مستمر عبر الأزمان بما يتجاوز التبرع لمرة واحدة من حيث استمرارية تأثيره.
وقد نشرت جريدة «الجزيرة» في عددها الصادر يوم الخميس الماضي الموافق للرابع عشر من رمضان تفاصيل عن المشروع وطريقة التبرع.
ما تقدمه الجمعية من خدمات للأطفال المعوقين في بلادنا يسد نقصاً كبيراً في هذا المجال الإنساني الخيري، ومن أتيحت له الفرصة أن يلتقي ببعض آباء وأمهات الأطفال المعوقين المستفيدين من خدمات الجمعية يدرك حجم الأثر الذي تركته الجمعية في حياة هؤلاء الأطفال وأسرهم؛ وفضلاً عن ذلك فإن هؤلاء الأطفال هم استثمار في مواردنا البشرية الوطنية، فكم من طفل معوَّق صار إنساناً ذا شأن في إنتاجه وإبداعه وعطائه لمجتمعه عندما كبر بفضل الله ثم بفضل ما تيسر له من الرعاية والاهتمام في طفولته.
وستكون الجمعية أكثر قدرة على الاستمرار في نشاطها وتوسيعه عندما نقف بجانبها ونتبرع لمشاريعها الوقفية، ومن ذلك مشروع «خير مكة».
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض