رغم سقوط الأقنعة، وانكشاف زيف الممانعة، والمقاومة التي كان يكبر حجها ويتورم الحديث عنه لتسهيل الوضع وتمكين النظام الإيراني من اختراق المجتمعات العربية، ورغم أن الذين يؤدون ذلك ويقومون بالأدوار الرئيسية ينفذون أجندة تعتمد على فكر طائفي عنصري، إلا أن اليسار العربي ومعهم من تبقى من فلول القوميين العرب الذين احتكروا ولسنين طويلة (الوطنية) وألصقوا تهم الرجعية والتخلف لباقي العرب هو من قام ويقوم بالمهمة بالترويج للطائفة على حساب القومية.
رغم كل ما ظهر وما انكشف من زيف لا يزال الكتّاب والفنانون الذين قدموا أنفسهم على أنهم رسل الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، رغم كل ما ظهر من نظام بشار الأسد واستهانته بالكرامة الإنسانية وتنفيذه للمجازر اليومية، وظهور الحقائق التي تؤكد بأن نظام دمشق وفي فترتي حكم الأب وابنه من آل الأسد لم تطلق سورية طلقة واحدة على العدو الإستراتيجي للعرب، وأن رفع شعار الممانعة والمقاومة يعني توظيف الفلسطينيين واللبنانيين وحتى السوريين لتحصين نظام الصفويين العنصري الطائفي في إيران.
أن يجتمع محمد حسنين هيكل وروبرت فيسك وباتريك سيل مع مجموعة من الكتَّاب والصحفيين اللبنانيين الذين تربوا على موائد المخابرات السورية يوم كانت تحكم لبنان، فهذا يظهر أن هناك فكرا متأصلا يحارب العرب المعتدلين، ويقف مع الذين يسعون لهدم المقومات العربية وبناء هياكل جديدة تتماشى مع أفكارهم ومصالحهم.
هيكل الذي لا يزال يجتر آلام هزيمة الفكر الناصري الذي حتى وإن لم يقل ذلك إلا أن كتاباته وأحاديثه التلفزيونية المدفوعة الثمن يقدم نفسه على أنه فيلسوف ذلك العهد، يحارب حتى وإن اضطر إلى استعمال الكذب ويعمل بكل الأساليب إلى محاربة من يعتقد أنهم السبب في إفشال الفكر الناصري الذي وضع أولى معاول الهدم للنهضة العربية، ولهذا، فإن هيكل ووقوفه مع نظام بشار الأسد وقبل ذلك مع نظام آيات إيران ضد الشق الآخر من القوميين العرب وهو ما ظهر في كتابه (مدافع عن الآيات).
هيكل ينتقم من الذين أفشلوا التجربة الناصرية هكذا يعتقد، أما روبرت فيسك والذي يجافي كل حقائق الأرض التي تتجسد كل يوم في سورية فهو يعارض الثورة السورية لأنها تهدم حسب فهمه (ركناً يسارياً) في محيط رجعي عربي، وأن النظام الذي سيخلف بشار الأسد سيعزز معسكر العرب المعتدلين مما يقضي على آخر معاقل اليسار الذي قُبِر في منشئه ولا زال فيسك يحاول الإبقاء عليه.
يظل باتريك سيل، فالرجل ومع بلوغه من العمر عتياً لا يريد أن ينكر أفضال الأب حافظ الأسد فيتخلى عن الابن بشار الأسد.
يبقى أيتام مدعي المقاومة والوطنية والقومية الذين يتخندقون مدافعين عن الطائفية والعنصرية فموقفهم لا يخرج عن مواقف الأيتام الذين فقدوا من كان يرعاهم ويغدق عليهم الأموال.
jaser@al-jazirah.com.sa