الجزيرة - الترجمة:
أكد الخبير في الشؤون الروسية ديمتري سيمز أن الروس ربما يقررون قريبا التخلي عن بشار الأسد والبدء في البحث عن تغيير للنظام .وأوضح ان التحرك في ذلك الاتجاه سيحدده مدى نجاح المعارضة على الأرض، وليس عن طريق الضغوط العلنية من إدارة أوباما. وأشار سيمز إلى أن روسيا ربما ستصل في فترة ما مستقبلا إلى الاستياء من بشار الأسد، وترى أن حكومته قد فقدت سيطرتها، إلا أنها لن تعارض نظام دمشق علنا مثلما تفعل إدارة أوباما والعديد من الحكومات الأخرى. وقال ديمتري سيمز خلال حوار معه أجراه موقع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ملتزم بصورة عامة بـالحفاظ على سيادة الدول القائمة، لأن معظم الأنظمة التي تم تغييرها بعد الحرب الباردة كانت أنظمة صديقة لروسيا. وأشار إلى أن بوتن أكثر تشككاً في النوايا الأمريكية والغربية، خاصة النوايا الأمريكية عن نظيره الرئيس السابق ديمتري مدفيديف، الذي عقد علاقة جيدة مع الرئيس أوباما. وفيما يلي نص الحوار:
* لقد أشار وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف إلى أن روسيا لن تغير موقفها بشأن العقوبات، لماذا موسكو مؤيدة لنظام بشار الأسد على الرغم من حمام الدم الذي يسيل في سورية؟
- لا أعتقد أنهم مؤيدون لنظام دمشق، فالوصف الأدق لهم هو أنهم لا يعارضون نظام دمشق بنفس قدر معارضة إدارة أوباما والعديد من الحكومات الأخرى، فمن الواضح أن روسيا لديها رؤية مختلفة بشأن الأسد، ولا أعتقد أنك تستطيع أن تقول ان الأسد عميل لموسكو، من المؤكد أنه لا يتلقى إرشادات من موسكو، كما أنه توقف أيضاً منذ عدة أشهر عن دفع فواتيره لروسيا، لذا فإنه زبون لا يعتمد عليه. كما أن دموية الأسد تمثل أيضاً إحراجاً فيما يتعلق بعلاقات روسيا، ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن مع معظم الدولة العربية وحتى إسرائيل، والأخيرة هي دولة أكثر أهمية من الناحية الاقتصادية لروسيا عن سورية.
معارضة روسية
* ما أسباب معارضة موسكو لاتخاذ مزيد من الإجراءات الحاسمة ضد سورية؟
- حكومة بوتن معارضة لمبدأ تغيير النظم، لأن روسيا لديها رؤية أكثر تقليدية للقانون الدولي، فتركيزها لا ينصب على المبادئ الإنسانية بقدر اهتمامها بالحفاظ على سيادة الدول القائمة. بعد نهاية الحرب الباردة، كانت معظم الأنظمة التي تم تغييرها أنظمة صديقة لروسيا، سواء تحدثنا عن البلقان والإطاحة بالرئيس سلوبودان ميلوسوفيتش في يوغوسلافيا، أو إذا كنت تتحدث عن آخر الحالات وهي ليبيا.
سورية وشراء الأسلحة
* ما هي قدرة الأسد على شراء مزيد من الأسلحة؟
- الأسد ليس في موقف يسمح له بشراء أسلحة روسية جديدة، ولكن لدى روسيا التزام قانوني طبقاً لعقود قديمة، ومن الصعب حالياً على روسيا أن تبيع أسلحة في الخارج بسبب أن أسلحتها تعتبر ذات جودة أقل كفاءة عن تلك المصنوعة في الغرب. ومن أحد الأسباب أن روسيا لا تزال قادرة على بيع أسلحتها حول العالم هو أنها تبيع تلك الأسلحة إلى حكومات لا تحظى بشعبية لدى الولايات المتحدة ودول النيتو. إذا ما اعتبرت تلك الحكومات في يوم من الأيام أن روسيا دولة لا يعتمد عليها، فإن تجارة السلاح الروسي برمتها سوف تنهار، التي تعد مصدراً هاماً لدخلهم القومي.
الحالة الليبية
امتنعت روسيا والصين منذ عام عن التصويت عندما مرر مجلس الأمن قراراً لفرض منطقة حظر طيران سمحت لقوات الناتو العسكرية بأن تستخدمها ضد قوات معمر القذافي، هل بوتن، الذي كان آنذاك رئيساً للوزراء والآن رئيساً البلاد، نادم على عدم نقض هذا القرار؟
- لقد كنت في موسكو عندما تم تمرير هذا القرار، وتحدثت إلى مسؤول كبير بالخارجية الروسية وأخبرني بأنهم لا يستطيعون التصويت لصالح ذلك القرار بتلك المسودة، فكان يؤيد الهدف من القرار، ولكنه قال إن القرار بحاجة إلى الكثير من التعديلات بسبب الكثير من الغموض الذي يمكن أن يفسر من قبل الولايات المتحدة والنيتو بطريقة أكثر تجاوزا. في اليوم التالي، رجعت إلى الوزارة مرة ثانية، وفي ذلك الوقت كانت روسيا بالفعل قد امتنعت فقط عن التصويت على القرار ولم تنقضه، لذا تحدثت مع المسؤول الذي كنت كلمته في اليوم السابق، فنظر لي وابتسم قائلاً: «لرئيسنا طريقته الخاصة في اتخاذ قراراته». ثم تحدثت بعد ذلك إلى أناس كانوا يمثلون فكر بوتن، وكانوا شديدي الذهول، وقالوا لي ان هذا كان قرار مدفيديف، حيث تحدث الرئيس أوباما إلى مدفيديف وبدا أنه أقنعه، وقد شعروا بأن شخصية مدفيديف من النوع الذي يراعي بشدة مشاعر الآخرين، ربما بصورة أكثر من اللازم، لذا توقعوا ألا ترضى الولايات المتحدة بذلك التفسير المتحفظ لقرار فرض منطقة حظر الطيران، وأن ذلك سيقود حتماً إلى هجمات جوية من النيتو. وصدق حدسهم، لذا فإن جولة ليبيا حمست معسكر بوتن، وأعطت لهم دلائل على أن مدفيديف لا يمكن الوثوق به ليبقى في منصب الرئيس ويدير الأمن القومي الروسي.
العلاقة بين موسكو وواشنطن
* إذن كيف تصف العلاقات الأمريكية الروسية الآن؟
- كان بوتن هو أول من اتصل بالرئيس جورج بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وعرض دعمه. بوتن لم يبدأ كخصم عنيد للولايات المتحدة، ولكن بعد ذلك تدهورت العلاقة بينه وبين إدارة بوش، ليصل بوتن بعد ذلك، كما فعل الكثيرون في روسيا، إلى قناعة أن روسيا لم تعاملها الولايات المتحدة بصورة تليق بها كقوة عظمى، وأن أمريكا كانت أكثر إصراراً على إحداث تغييرات في دول حول روسيا، مثل إدخال دول الاتحاد السوفيتي السابق وحلفاء روسيا في حلف النيتو أو الاتحاد الأوروبي، بدلاً من أن تعقد علاقة بناءة مع روسيا.
وعلى الرغم من سياسة الانفراج برعاية الرئيسين أوباما ومدفيديف، لم يقتنع الكثيرون ممن كانوا حول بوتن بأن هناك تغيراً كلياً في العلاقة الأمريكية الروسية. الأساس هو أن بوتن بطبعه أكثر عملية وبراجماتية، لذا فهو أكثر تشككاً بالنوايا الأمريكية والغربية، خاصة النوايا الأمريكية، ولم يعجب شخصياً بالرئيس أوباما مثل الرئيس مدفيديف. والانتقاد العلني لروسيا بالطريقة التي فعلتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في العديد من المناسبات، من غير المحتمل أن تخدع بوتن ولن تؤدي سوى إلى مزيد من التصلب في مواقفه. ولكن ما يمكن أن يغير من وجهة النظر الروسية هو ما يحدث داخل سورية. إذا نظرت إلى تغطية التلفاز الروسي لأحداث سورية، ستجد أنه من الواضح للغاية أنهم الآن يناورون بقدر استطاعتهم، فهم يعلمون أن الأسد يخسر المزيد من الأراضي، وأصبحوا الآن يعرضون حالات انشقاق كبار المسؤولين من الدائرة الداخلية للأسد. ولكن في مرحلة ما، ربما يقول الروس لأنفسهم ان اللعبة قد انتهت في سورية، أو على الأقل أوشكت على النهاية. فهم لن يرغبوا في أن يكونوا آخر من يظل وفياً لذلك الرجل (الأسد) الذي لا تعتبره موسكو على أنه ذلك الشرير الذي يتم تصويره في واشنطن ، ففي مرحلة ما ربما يقررون التخلي عنه والبدء في البحث عن تغيير للنظام. إنهم لم يصلوا إلى تلك المرحلة بعد، فالتحرك في ذلك الاتجاه سيحدده مدى نجاح المعارضة على الأرض، وليس عن طريق الضغوط العلنية من إدارة أوباما. كما أن الروس أيضاً يعتقدون أن إدارة أوباما منافقة بعض الشيء، فقد قالوا لمسؤولي واشنطن أنهم إذا كانوا مهتمين بالإطاحة بالأسد، فإنهم يستطيعون أن يفعلوا ذلك بالطريقة التي فعلوها في العراق أو بالطريقة التي حرروا بها كوسوفو من الصرب، بدون موافقة مجلس الأمن. الروس يقولون ان ذلك سيكون خطأ، وسوف ينتقدونه، ولكنهم لن يعارضوا ذلك عسكرياً، ولن تكون تلك قضية حاسمة في العلاقات الروسية - الأمريكية. يعتقد المسؤولون الروس أن إدارة أوباما لا تريد بالفعل التدخل في سورية، ولكنهم يستخدمون روسيا ككبش فداء.
الموقف الأمريكي
* وماذا تقول واشنطن بشأن ذلك؟
- الإدارة الأمريكية تتصرف طبقاً لافتراضية أنهم يمكن أن يشتروا كعكتهم الخاصة، التي سيأكلونها أيضاً مع أي من شركائهم حول العالم، بما في ذلك قوى كبرى مثل روسيا والصين. وزيرة الخارجية الأمريكية على سبيل المثال، وبينما تحاول إقناع الروس بدعم اتخاذ قرارات قوية ضد سورية، فإنها ذهبت في الوقت ذاته إلى سان بطرسبرج ونظمت لقاء مع ناشطي المعارضة الروسية ووعدتهم بأن الولايات المتحدة سوف تجد طريقة فعالة لدعم جماعات المعارضة الروسية على الرغم من التشريعات الجديدة التي تم تمريرها في مجلس الدوما الروسي. إذا ما كانت سورية تمثل مشكلة مركزية للولايات المتحدة، ألم يكن من الحكمة لوزيرة الخارجية في تلك الرحلة إلى روسيا بألا تلتقي مع ناشطي المعارضة؟ ذلك يخلق انطباعاً لدى موسكو بأن السبب الوحيد لعدم مطالبة الولايات المتحدة بإنهاء حكم بوتن هو أن روسيا قوة نووية كبرى. وهذا الانطباع من المؤكد أنه لن يجعل روسيا أكثر صراحة بشأن القضايا التي تمثل قلقاً للولايات المتحدة.
- موقع (مجلس العلاقات الخارجية) الأمريكي
***
C.V
- ولد في موسكو وتخرج بدرجة الماجستير في التاريخ من جامعة موسكو، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1973حيث عمل كمتخصص في شؤون الكرملين ومحلل للسياسات السوفيتية.
- عمل رئيسا لمركز المصلحة الوطنية (مركز نيكسون سابقًا)، وناشر دورية السياسة الخارجية.
- عمل كمستشار للسياسات بصورة غير رسمية للرئيس نيكسون.
- رأس برنامج الدراسات الروسية والأوراسية بوقف كارنيجي للسلام الدولي، وكان مديرًا لبرنامج الدراسات السوفيتية في جامعة جون هوبكنز، كما أنه عمل كأستاذ بجامعة كولومبيا وجامعة كاليفورنيا ببركلي.
- تشمل مؤلفات سيمز عدة كتب، من بينها «ما بعد الانهيار: روسيا تبحث عن مكانها كقوة عظمى 1999»، وكتاب: «الانفراجة والصراع: السياسة الخارجية السوفيتية 1972 - 1977»، و»الخلافة السوفيتية: القيادة في طور الانتقال». كما أنه يكتب لعدة صحف ودوريات، من بينها «نيويورك تايمز» و»واشنطن بوست» و»لوس أنجيليس تايمز» و»فورين أفيرز» و»فورين بوليسي».