حينما كنت أتسوق في أحد المراكز التجارية للتبضع قالت لي امرأة في عمر والدتي خمسينية، يبان عليها هيبة الوقار، وصوت الثقافة، وعمق الأدب: «أنت وسيم»! ابتسمتُ كثيراً وبقيتُ حائراً من هي هذه المرأة..؟ شردتُ بعيداً وبعد برهة زمنية تنبهتُ، دفعتُ عربتي لجهة المحاسبة، بقيت عبارتها «أنت وسيم» عالقة في ذاكرتي أسترجعها دوماً.. هكذا تحدث لي.
المرأة قالت: أنت وسيم! «الوسامة» مفردة تعني الجمال وتطلق على الرجال، يقال: رجل وسيم، وامرأة جميلة.
ربما... أقول «ربما» كون طرحي لا يرتقي للتعمق والبحث المتشعب في الجمال، ففي الجمال لغة فلسفية.. ولكن من خلال الرتوش حولها وإثارة بعض الاستفهامات نحاول نبش هذه اللغة، نثير بعض الأسئلة ونتركها للبحث. نسأل: هل هنالك جمال صامت وآخر ناطق؟ سؤال قد يُطرح، ويحتاج إلى إجابة.
الحياة صور متباينة فيها تناقض.. وفيها اختلاف، وهذا ما يعطيها جمالاً، بل درجات متعددة من الجمال، وإن كان غير متحرك وآخر متحرك، وهل هنالك جمال متحرك وآخر ثابت..؟ أسئلة عدة ربما تتولد هنا لن أتطرق لها كما أسلفت.. فمتى ما تعددت الصور ظهر لنا اختلافها واختلافاتها، وأنها ذات تشعبات..؟ ومتى ما كان هنالك اختلاف أدركنا أن هذه الصورة بها جمال والأخرى بها جمال ولكن أقل أو أكثر منها جمالاً والثالثة فيها شيء من الجمال ربما مغايراً عن الأخرى، وتبقى الصورة الأخيرة بعيدة ليس بعداً مكانياً، ولكن في حالة يتلاشى منها الجمال أو لا يستقر حسب رؤى مختلفة، وهذا التباين في الصورة يعطيها فلسفة جمالية أكثر وأبعد تأثير.
لا تعجب نهائياً من تلك المرأة حينما وسمتك بأنك وسيم، وبك ملامح تدعو إلى سمة بل سمات جمالية توجد فيك!! وذلك كنتيجة حتمية لرؤيتها فيك لأنك تمتلك مقومات الوسامة حسب رؤيتها. لأنه قد يراك آخر خلاف رؤيتها، تتباين الملامح والصفات وترجح عند أحدهم وتخفق عند آخرين.. الجمال لغة فلسفية تدركها العيون، وقد تختفي عند عيون أخرى فلا تدركها.. وإن لم تدركها لا تنفيها من الوجود، فوجود الطرف الآخر حتماً يُظهر الجمال، ولو بلغات وأشكال أخرى، جمال أياً كانت درجته وعمقه وأبعاد لغته.
الجمال لغة وشكل، وسلوك وبوح، وروح، وإن أخفينا بقيته وأظهرناها بأنها لغة وهذه اللغة صامتة بنفسها جابرة غيرها على البوح والنطق بها.. لغة تتعدى كونها ذات تأثير آسر، لم يقف أمامها أو قريباً منها.. صمتها الآسر سر، خلفه قوة جاذبة، تحاول الابتعاد عنها لكن لا تستطيع، ربما لأنها قد تولدت عنها لغة أخرى هي: «لغة الإغراء» بها كم هائل من الجرعات ذات السحر، الذي لا يمكن أن نتجاوزه مهما تعددت قوى الهدف فيها، وإن كانت مغايرة عن لغة الجمال، ولكن قد تتشابك معها في خيوط ملونة.. ومهما كان النهر صافياً ومتحركاً ودافئاً يبقى الجمال له لغته الخاصة، والصامتة التي قد تتحول إلى لغة متحركة كموج البحر.
لغة الصمت أو الجمال هي قوة خفية تظهر في شكل جسد أحياناً، جسد قد يجعلك في منعطفات ومحنيات أنت لا تقدر على تحملها.. ولكن هذا الجسد يبقى وثيقة معبرة عن وجود جواهر، وهي تراكمات أياً كانت نوعيتها وهي تمثل هذا الجمال وهذه الوسامة وهذا ما يجعل تلك المرأة أن تبوح لك بما أشعل صمتها وحركت صمت جمالك ووسامتك بهذا البوح، وأحياناً يظهر الجمال في قوة خفية تظهر في جمال الروح، ولا غرابة من ذلك فأنت حقاً وسيماً كما أنا..!!
Albattran151@gmail.com