|
كتب - علي العبدالله:
أعادنا مسلسل (ساهر الليل) في جزئه الثالث (وطن النهار) إلى تفاصيل مشهد غزو العراق للكويت الذي لم يتم تجسيده من قبل في الدراما الاجتماعية الخليجية بشكل دقيق ومُفصل، ولاشك أن هذه الخطوة الإيجابية التي فعلها المخرج محمد دحام الشمري تعتبر بمثابة التحدي الكبير ليُثبت من جديد أنه متمكن من أدواته الإخراجية.
سأتناول هنا تفاصيل صغيرة ومهمة في الحلقة الرابعة من المسلسل التي بدأت فيها المشاهد الأولى للغزو، في هذه الحلقة استغل المخرج كل الوسائل الفنية ليأخذ المُشاهد إلى حدث(زلزل) أمة بأكملها أعادنا إلى تاريخ الثاني من أغسطس في العام 1990م وتحديداً بعد أذان الفجر حيث كان ما لم يكن في الحسبان وما لم يتوقعه أشد المتشائمون بأن يستيقظ الشعب الكويتي ليجد نفسه في سويعات تحت سيطرة قوات الجيش العراقي.قُدمت هذه الحلقة دون مبالغة فظهرت مشاهدها متسلسلة بشكل منطقي ومتوازن حيث شاهدنا جاسم النبهان يستيقظ لأداء صلاة الفجر وبينما هو يهم بالوضوء للصلاة، تفاجأ بصوت الطلقات النارية، لتأتي زوجته التي تجسد دورها الممثلة باسمة حمادة لتسأله بخوف وهلع شديدين عن سر هذه الأصوات المرعبة، لتأتي الإجابة من ابنتهم وهي باكيه تصرخ قائله: (يمه...يبه لحقوا...صدام دش الكويت)ليأخذ الصراع الدرامي في هذا العمل منحى آخر وزوايا أخرى ويُساهم في جذب المُشاهد إلى مشاهد تراجيديه أكثر سخونة مُعبره جداً عن تفاصيل فترة عصيبة مرت على المجتمع الكويتي والخليجي.ثم يُقدم لنا المخرج مشهداً آخراً يُعبر فيه عن شريحة أخرى في المجتمع عندما تحدث جد الأسرة الذي يتقمص شخصيته الممثل محمد المنيع مدافعاً ومكذباً الخبر قائلاً: ( صدام ما يسويها هذا سيف العرب) هُنا أراد المخرج أن يمزج بين أعلى درجات التراجيديا وهي المأساة الواقعية وبين أعلى درجات الكوميديا الساخرة التي تأخذ المُشاهد إلى مشهد مضحك ومبك في آن واحد وليتساءل المتلقي كيف حدث هذا الاعتداء.
في هذه الحلقة من ساهر الليل وطن النهار شَاهدنا انفعالات أجيال مختلفة وكيف كانت ردود الأفعال متباينة مع صَدمةً رهيبةً كهذه، فأخذتنا الكاميرا للشاب محمود بوشهري أحد أبناء هذه العائله الذي لم يكن مصدقاً لما يرى فأخذ يهذي ليقول المفهوم وغير المفهوم عندما كان يصف لوالدته وأفراد أسرته ماحدث في الشارع في اللحظات الأولى للغزو في لحظات لم يستطع فيها أن يتمالك نفسه ويسيطر عليها وهذه بالمناسبة إحدى قواعد علم النفس الشهيرة التي تأتي فيها مرحلة عدم التصديق بعد الصدمة.
ثم يعود المخرج ليُقدم لنا مشهداً تراجيدياً مؤلماً آخر حيث يتلقى الدبلوماسي محمد سلمان الكويتي وهو شقيق الفنان جاسم النبهان خبر استشهاد الشيخ فهد الأحمد الصباح في لحظات إنهيار كاملة، وهنا لاتفوتني الإشادة بالممثلة (نور) التي جسدت دور زوجة هذا الدبلوماسي ذات الأصول العراقيه ليأكد لنا الكاتب أن هناك علاقة نسب قديمة تربط أفراد المجتمع الكويتي بالعراقي وبأن ما حَدث لايعبر إلا عن قيادة صدام حسين وأفراد الجيش العراقي.
بعد ذلك تأخذنا الكاميرا إلى مشهد تم فيه (إجهاض) فرحة كانت من المفترض أن تكون مرسومة على مُحيا الممثلة الشابة هيا عبدالسلام في ليلة الغزو تتزامن مع يوم عقد قرانها.
لازلنا في الربع الأول من حلقات هذا العمل التراجيدي الاجتماعي المؤثر الذي لامس جروحا غائرة ولكني على يقين كامل أن ابن دحام لديه الكثير ليُمتعنا فيه خلال الحلقات القادمة من ساهر الليل في جزئه الثالث.
ولتعرفوا أعزائي القراء أن الدراما عندما تعكس واقعاً ملموساً تصبح أكثر قربا لعقل وعاطفة المُشاهد لذا لاتستغربوا إذا ارتفعت نسبة المُشاهدة لهذا العمل كلما ازدات الحلقات القادمة سخونة.