وسط الزحام المروري كنت بمعية شاب من الأقارب نمتطي صهوة سيارته الفارهة ومع تزايد التوتر والشحن النفسي كان ضحية ذلك سيارة صغيرة متواضعة يقودها رجل وقور وقد ضايقه الشاب بسيارته حتى اضطره للوقوف جانباً لتفادي الاحتكاك بسيارتنا ليس خوفاً على سيارته ولكن خشية دفع تكاليف أضرار السيارة الفخمة كما قال، كنت مصراً على أن نقف ونأخذ بخاطره فلم يكن سيئاً في قيادته ولم يرتكب بحقنا أي خطأ، وقفنا على الجانب واتجهنا إليه والابتسامات تكاد تشق الوجوه لنبين له أننا قادمون إليه ليس للعراك، فهم حجم الابتسامة (وفهم من خلفها) وصافحنا مقدماً نفسه وبطاقته بأنه البروفيسور جراح المخ والأعصاب بالمستشفى المرموق، خجلنا وفرحنا بآن واحد فنحن أمام رجل بقامة عالية بلغ من العلم شأواً بعيداً ومن التواضع شأناً عظيماً ومن الواقعية حظاً في اقتناء سيارة مناسبة لا ترهق كاهله بالديون ما يحسب له لا عليه، هكذا هم الكبار بعقولهم وقلوبهم وهذا سر جانب فرحنا بلقائه والأخذ بخاطره بعد مضايقته أثناء الزحام، وقد شعرنا بسعادة كبيرة بعد أن حاولنا التعامل بتحضر معه ونحن لم نكن نعرف قدره وزادت السعادة حين عرفنا مقامه وأنه سيقدر لنا هذا الشيء ويسجل موقفاً وصورة جيدة علها تمحو صورًا سيئة مخزّنة في ذاكرته من مواقف سابقة رسمها آخرون، هنا لا بد أن نتذكر ونحن نقود سياراتنا أننا نتعامل مع مركبات بغض النظر عمّن بداخلها، أي أن النظام يجب أن يطبق ويلتزم به دون النظر لنوع السيارة وجنسية من يقودها ويركبها، النظام والذوق والانضباط للجميع ولا فضل لسيارة فارهة على أخرى، وما دام الحديث عن السيارات والزحام فهذا موقف آخر فقد كنا في إحدى الدول الخليجية نواجه زحاماً شديداً واضطر الشاب الذي يقود سيارتنا للدخول في شوارع الحي لتفادي الزحام في ممارسة للذكاء لم تكن ناجحة فقد كان الشارع الفرعي للقادمين من الاتجاه الآخر وكاد يحتك بسيارة آسيوي يبدو من هندامه ومظهره العام أنه ذو شأن ولم يكن من عامة العمالة، وآلمني الشاب حينما قذفه بجملة لم يفهمها المقيم وهي تعني أنه (ربما تكون مدير شركة أو بنك ولكنك في الأخير ...) وهي كلمة تدل على اعتداد واعتزاز بالجنس العربي دون غيره من العرقيات وهذا مؤلم وفاضح فكل له قدره وقيمته بقدر ما يحترم الغير، شاب مراهق لم يدرك حينها معنى ما تفوّه به وكأن الوافد أجير عنده أو خادم له حتى في بلدان الخليج.
واقعة ثالثة أبرهن بها أن شرائح اجتماعية لا زالت تنظر لنفسها أنها دائماً الأفضل وأن أي قادم إليها يمكن التعامل معه بدونية وانتقاص، ذلكم أنه في أحد مساجد الحي غاب الإمام وكان منيباً عنه مسناً آسيوياً حافظاً للقرآن وأبناؤه يدرّسون في حلقات التحفيظ، فبرز له رجل زائر للحي وقال له: لماذا تصلي بنا وأنت أجنبي نحن أحق منك بإمامة المصلين؟ فقال: أنا أخوك المسلم ومكلف بذلك وفي المسجد نكون متساوين، فكل بعمله هنا ولا مجال للعنصر والعرق.
t@alialkhuzaim