لم تعد تقتصر النظرة على المرأة من قِبل بعض المشايخ والدعاة، أنها ذلك الكائن القاصر الناقص، الذي لا يجوز مواجهتها أو الوقوف أمامها أو التعاطي معها “فكريا” لأنها أقل، بل تجاوز ذلك إلى الاعتقاد بأن هذا يُقلل من قيمة الرجل فما بالك بشيخ أو واعظ، فالبعض يعتبرها كسر لهيبته. وقس على هذا المتأثرون بهذه الفكرة في المجتمع، ونظرتهم للتعاطي الثقافي مع المرأة بأنه دونية لا ينبغي للرجل الانحدار إليها، أما التعاطي في الأمور الأخرى فلا بأس به نظرا لأن المرأة من وجهة نظر هذه الشريحة مخلوقة للشؤون الأخرى ولم تُخلق للفكر والثقافة!
الصور الجديدة للمشايخ مع المرأة اختلفت، وأظهرت شكلا جديدا يختلف عن ذلك السياق الذي يحصر وظيفة المرأة في أعمال معينة، فالصورة التي نشرتها الصحف الإماراتية يوم الأول من أمس، للدكتور محمد العريفي وهو يجلس في نفس القاعة دون ساتر ولا دائرة تلفزيونية مغلقة، هو أمر جديد ومبهج، وتصرف حضاري صادر عن شخص بحجم العريفي، ويُعتبر قدوة لدى شرائح اجتماعية منوعة، إذ إن دخوله إلى نادي دبي للسيدات، وجلوسه في نفس القاعة معهن يُعتبر تطورا كبيرا في شخصية داعية كان يرفض رفضا باتاً أي شكل من أشكال اختلاط النساء بالرجال، بما فيه اختلاط الأسواق، وكان يرفض دون نقاش عمل الفتيات -المحتاجات- في محلات ملابس النساء، خوفا عليهن من أي اختلاط، وصلت هذه الحدة إلى درجة المطالبة بإقالة وزير العمل عادل فقيه، مع العلم أن الفتيات اللاتي يعملن في محلات النساء، عملهن في بيئة آمنة، والمحلات تمنع دخول الرجل العازب، وهذا فيه حفاظ كبير على البائعات، اللاتي بلا شك هن بحاجة لمصدر رزق يكفيهن شر الحاجة. لن أسهب في هذا الموضوع إنما وددت الإشارة إليه نظرا لتقاربه مع فكرة المقال الأساسية، وهي عن السائد والاستثناء في نظرة المشايخ والدعاة للمرأة، وأثر هذا وشيوعه بين أفراد المجتمع بما فيهم النساء أنفسهن، وهذا يحدث بشكل مكثف وملحوظ أن نجد امرأة تنظر لنفسها ولبنات جنسها نظرة دونية، وقد ناقشت هذا في مقالات سابقة حول “النظرة الذكورية” والتي قلت أنها قد لا تصدر عن (ذكر) بل قد تكون هذه النظرة صادرة عن (أنثى).
وقبل جلوس الدكتور محمد العريفي مع النساء دون حواجز، سبق وأن جلس الدكتور محمد النجيمي معهن في الكويت، وحدث جدل طويل حول اختلاطه بالنساء، وبعيدا عن التبريرات وكل ما حدث فقد كان سلوكا حضاريا جيدا، وخطوة إيجابية لكسر تلك النظرة السلبية تجاه المرأة، خاصة وأن الحدث تم في مكان عام كأي سوق أو مطار، ولا أود العودة للمربع الأول بالحديث عن مفهوم الاختلاط المقصود في المنهج الشرعي.
إن النظرة الدونية من بعض المشايخ والدعاة تجاه المرأة، باعتبارها عنصرا قابلا للانحراف في حال عدم إحكام الإغلاق عليه، كما سمعنا من بعضهم التحذيرات من ترك النساء دون رقابة مع أجهزة الجوال أو مواقع الإنترنت، مما يوحي وكأنها في حال اختلت الرقابة حولها أنها ستنحرف أو تنشر المعصية، هي نظرة قبل أن تسيء للمرأة نفسها، تسيء للدين الإسلامي الذي ساوى بين الجنسين، وجعلهم في مرتبة رشد واحدة من ناحية الحقوق والواجبات وكذلك العقوبات. ولو نظرنا إلى أوضاع الشباب اليوم لوجدناهم يشعرون بوجود فجوة بين الدين وتطبيقه على أرض الواقع ورغبتهم بالبحث عن أبواب أخرى تُشعرهم بالراحة، وهذا بحد ذاته خطر حقيقي على الدين والشباب والعقول نحتاج لمصارحة مع أنفسنا، ومع نقد واعي للخطاب الوعظي، وللخطاب الثقافي، لأجل أن ننقذ هذا الجيل الذي تفتح عقله على الثورات والانفجار التكنولوجي والمعلوماتي، والتعامل معه بنفس الخطاب السابق لن يكون لا في صالحه ولا في صالح المجتمع. وعودة على الخطاب الديني والمرأة فإن تغيره، مع ضرورة الإيمان والاعتراف بهذا التغير هو البوابة الأولى لأنسنة الفكر تجاه الآخر والمخالف، وتجاه المجتمع نفسه، وسيردم كثيرا من الفجوات التي تُطلق علينا كل يوم حدثا فرديا، قد يكون مستقبلا جماعيا ونتائج لا تُحمد عقباها.
www.salmogren.net