كنت قبل أكثر من شهرين في “هيوستن “ أكبر مدن ولاية تكساس ورابع أكبر مدن الولايات المتحدة الأمريكية، وحرصت أثناء تواجدي هناك أن أزور أحد الأصدقاء الأعزاء شفاه الله وعفاه، والذي كان وما زال يرقد في مجمع تكساس الطبي منذ زمن ليس بالقريب، ومن خلال هذا الرجل الإنسان عرفت الكثير من الحكايات الرائعة للإنسان السعودي الذي قدر الله عليه وأصيب بهذا المرض الصعب - وقانا الله وحمانا وإياكم كل مرض وداء -.. لقد جعل هؤلاء الإخوة الأعزاء من المرض والغربة وربما انشغال الكثير من معارفهم وأصدقائهم عنهم، جعلوا من هذا الثالوث الصعب سلماً للرقي الأخلاقي والقيمي وعنواناً رائعاً من عناوين العمل الإيجابي الأمثل من أجل الإنسانية وفي سبيل خدمة الغيرومن منطلق ذاتي وديني وإنساني متكامل، ومن بين الشواهد الحية والبراهين البينة انخراط عدد من المرضى السعوديين في البرامج التطوعية التي تقام في المجمع الطبي بعد أن شربوا حب هذا النوع من الأعمال الخيريةوأحسوا بنعمة الله عليهم جراء مشاركتهم بمثل هذه الأعمال المتميزة والمدروسة.
يقول صاحبي -شفاه الله وعافاه- عن العمل التطوعي في المجتمع الذي يعيش فيه حتى هذه اللحظة: (...العمل التطوعي في أمريكا جزء هام في حياة الإنسان الغربي، خاصة الكبار والمتعلمين، ونحن ممن عشنا وما زلنا نعيش في هذا المجتمع نلمس هذا الحس لدى الكثير منهم ممن نقابلهم هنا سواء أكانوا أطباء أو أكاديميين أو مرضى أو ممرضين أو حتى إنسانا عاديا بسيطا، وفي ذات الوقت نشاهده واقعاً حياً داخل أروقة المجمع الطبي وخارجه الأمر الذي جعلنا نحن المرضى الذين جئنا إلى هيوستن للعلاج نهتم بهذا الأمر وننخرط في برامجه المختلفة.. كثير من السعوديين متطوعين ومتعاونين مثلاً مع مراكز الأبحاث المتخصصة في هذا الصرح الطبي الضخم وأنا من بينهم، نخضع لإجراء فحوصات مكثفة وتُجرى علينا تجارب علمية مدروسة لأمصال جديدة لعلاج السرطان.. وقد قال لي أحد الأطباء المختصين حين كنا نتحدث عن هذا المشروع التطوعي الإرادي أول أيام مجيئي إلى هيوستن: إن ما نقدمه لك من علاج اليوم كنا بسبب وجود مرضى مثل حالك الآن، قبلوا قبل سنوات بأن تُجرى عليهم مثل هذه الدراسات فتوصل المختصون إلى تركيبة معينة انتفع منها الكثير من المرضى، وأنت سيكون لك مثل هذا الدور وستنتفع أنت وغيرك في المستقبل من نتائج الأبحاث والدراسات التي تشارك فيها.. سألته بعد أن أنهى حديثه: هل أنت سعيد بهذا العمل؟.. وعلى الفور كان الرد وبابتسامة عريضة وفرحة داخلية كبيرة: (..كل السعادة وأشعر بأنه بعد عون الله وتوفيقه أحد الأسباب الرئيسة لتقبلي للعلاج وقدرتي على زيادة وزني كما نصح الأطباء، والطمأنينة النفسية التي أنعم بها ولله الحمد والمنة)..وهل تضر بك هذه التجارب والدراسات؟ (..أبداً بل على العكس، فالباحثون لا يُقدمون على هذه الخطوة المتقدمة في مضمار البحث العلمي الرصين إلا بعد دراسات طويلة وجهود بحثية وتجارب مكثفة ومتواصلة لسنوات عديدة، وليس الأمر كما نعتقد في المملكة من أن المريض هو حقل تجارب محتملة!!.. لا، أبداً، هم يولون النفس الإنسانية أهمية عالية، ويقدرون كل من انخرط في برامجهم البحثية، ولا يفرقون بين جنسية وأخرى ومريض وصحيح، ولذا نجحوا في كثير من برامجهم العلمية والعلاجية وحافظوا على مصداقيتهم مع مرضاهم والعينة التي يجرون عليها تجاربهم الناضجة وشبه المنتهية..).
إنني هنا أتوقف عند هذا المنحى من مناحي الأعمال التطوعية ألا وهو “التطوع لإجراء الأبحاث والدراسات العلمية الطبية” وأترك ما تحدث به صاحبي أعاده الله إلى أرض الوطن سالماً معافى إلى مقالات قادمة، وذلك لأهمية هذا اللون من أعمال الخير التي حث عليها ديننا الحنيف، والحاجة إليه ماسة وضرورية في هذا الوقت بالذات -كما يعلم الجميع - وذلك من أجل أن يتسنى لعلمائنا المتخصصين التميز البحثي الذي به بإذن الله يتحقق التقدم الطبي والمعرفي الوطني والإنساني..ولكن قبل هذا وذاك لابد أن أؤكد على ما ذكره صاحبي من أن النظرة التي يشترك فيها مجتمع العينة المستهدفة في الغرب أن هؤلاء الباحثين لا يقدمون على خطوة من خطوات البحث إلا والمريض على دراية بكل التفاصيل ومعرفة تامة بما سيقومون به من تحاليل، والآثار الجانبية المحتملة، والتوقعات المستقبلية جراء التوصل إلى نتائج إيجابية و... وكأن هذا الإنسان شريك حقيقي في هذا المشروع العلمي الإنساني المرتقب، إذ من الغبن الفاحش أن يستفيد هذا الطبيب أو غيره من نتائج الفحوص الطبية لمريض يشرف على علاجه دون موافقة المريض ورضاه عن قناعة تامة وهو بكامل قواه العقلية وإن تعذر ذلك فيمكن أن تؤخذ موافقة المرافق له.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين.. اللهم آمين، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.