|
يافوز دايدار
تدخل سوريا يومًا بعد يوم نحو أعماق الدائرة الجهنمية، وذلك لأن أفراد نظام الأسد الدمويين يرفضون أن يتغيروا، تصديقًا لمقولة الكاتب الشهير توماس دي لامبيدوسا «أنهم يفعلون كل ما يستطيعون «ليظل كل شيء فيها كما هو».
ولكن بعد تفجيرات دمشق وضح أن الخنجر قد اخترق قلب عائلة بشار الأسد، كاشفًا عن حقيقة أنه لا يجب أن يشعر أي حاكم في دمشق بالأمان بعد اليوم، ومن المؤكد أيضًا أن الأسد سيرى تلك التفجيرات على أنها نموذج آخر للإرهاب، ولكن ذلك الاتهام من السهل دحضه لأن تلك التفجيرات ما هي إلا نتاج طبيعي للمقولة الشهيرة «كما تدين تدان».
رد الأسد الدموي منذ العام الماضي على طلبات المنتفضين لإجراء حوار داخلي من أجل نظام جديد يعتمد على أسس المساواة والحرية وإعادة تشكيل المشهد السياسي في كل المنطقة، ذلك الرد كشف عن مبادئ البعثيين في دمشق، ومدى جاهزيتهم الآن للدخول إلى مزبلة التاريخ.
بالرغم من أن الأسد بات يشعر الآن باللهيب يقترب من عنق النظام، إلا أن المرحلة القادمة ربما تثبت أنها صعبة للغاية ولن تكون قصيرة أيضًا، فحتى إذا ما قُتل شرذمة من كبار قائدي حزب البعث، فلا سبب يدعونا إلى الإفراط في الثقة، فلا تزال هناك شكوك جسيمة تحملها الأيام والأشهر والسنوات القادمة، باحتمالية حدوث مفاجآت كبرى غير سارة يمكن أن تجري في سوريا أو في المنطقة أو حتى على مستوى المجتمع الدولي.
العالم يعلم الآن مدى ضعف حكم العصابات التي تدير العاصمة السورية، وهذا يذكرنا بما حدث في طرابلس الليبية، بأن المعارضة بالرغم من تفككها وضعفها الحالي تستطيع أن تحقق انتصارات معنوية. من المؤكد أن التفجير الأخير أسقط شرعية النظام، وأرسل رسالة إلى المجتمع الدولي، لأولئك الذين أظهروا اهتمامًا وحسرة على إزهاق الأرواح البشرية هناك، بأن الحل النهائي للصراع أو الحرب الأهلية سيأتي من الداخل، كما أنه يقول للأطراف الأخرى أيضًا التي تتمتع بقصر النظر كم أنها مثيرة للسخرية، مثل روسيا والصين وإيران وحتى إسرائيل، أن الوقوف في المكان الخطأ من التاريخ سوف يجعلهم يدفعون الثمن، عاجلاً أم آجلاً.
ولكن ما هي الخطوة القادمة للدائرة الداخلية للأسد؟
بالرغم من الضربة القاصمة للنظام، إلا أنه لا يزال لديه خيارات، فمن الواضح أنه قد تجاوز منذ وقت طويل قائمة الخيارات بشأن تقاسم السلطة، فقد مضى ذاك الزمن، ولكنه يستطيع الآن أن يقاتل حتى نهايته المحتومة، بأن يظل في دمشق، وأن يطيل أمد الصراع بمزيد من المذابح (بنقل عدوى الرعب والعنف إلى المناطق ذات التجمعات المسيحية)، وأن يوظف الأسلحة الكيماوية، أو الاحتمالية التي تبدو أكثر تحقيقًا الآن، بإنشاء دويلة علوية في الغرب، في الجزء الساحلي من البلاد، حيث تأمل دائرته الداخلية أن تنجو في النهاية بحماية الجيش (لقد أوضحت العمليات الأخيرة للجيش في التريمسة والتي كانت عبارة عن تطهير عرقي واضح بأن هناك خطًا قد رسم بالفعل بين الأجزاء الغربية والشرقية من البلاد وهو ما يشير إلى تقسيمها).
وفي مثل تلك الحالة، يجب علينا أن نفكر في احتمالية إنشاء نوع من «المحمية الروسية»، فنظام الأسد قد فقد بالفعل السيطرة على أكثر من 60% من البلاد، وبالوضع في الاعتبار مدى انتشار ووتيرة الصراع اليوم، فمن الواضح أن الأسد لن يستطيع استعادة سيطرته، ويظل خيار عقد مفاوضات لاتفاق مع «وعبر» روسيا لمغادرة البلاد، في سيناريو مشابه لسيناريو اليمن. تفجير دمشق من المؤكد أنه قد دفع الأسد باتجاه ذلك الخيار.
ولكن هل سينجح الأسد؟ سيتبين في النهاية إذا كانت روسيا تفضل سوريا بالأسد أو بدونه، وهذا بالطبع يرتبط مباشرة باحتمالية حدوث انقلاب داخلي يقوم بتصفية كبار القادة الذين تعتبرهم المعارضة المسئولين الأساسيين عن الفوضى، وهذا الاحتمال يبدو اليوم أقرب تحققًا عن الأمس، مما يمكن أن يمهد الطريق نحو تحول انتقالي طويل ومؤلم، ولكنه سيكون أقل دموية في النهاية.
ربما تبدو روسيا اليوم أنها تريد أن تطمئن نفسها على مستقبل سوريا، ولكنها في قرارة نفسها تعلم أن النهاية باتت وشيكة، إلا إذا قدمت مساعدات عسكرية ضخمة إلى الأسد، فهذا ربما يكون أحد الخيارات الذي لن تبدو فيه خاسرة، ولكنها لن تكون فائزة أيضًا؛ فتقديم مساعدات لاستمرار القمع الدموي للغالبية السنية بأي ثمن، ستثبت الأيام أنه سيكون مكلف للغاية لروسيا التي طالما عانت من الإرهاب على أراضيها، لذلك فإنها ربما تختار التشبث بالمفاوضات بصورة أكثر جدية مع الغرب.
كما تظل احتمالية انتقال المواجهات العسكرية من داخل سوريا إلى جيرانها قائمة أيضًا، وربما تزداد بصورة كبيرة، وبالوضع في الاعتبار أن النظام بدأ يتحطم داخليًا بصورة تدريجية، يجب على تركيا أن تظل على أهبة الاستعداد، فعامل اليأس والإحباط في دمشق سيجعل من الأفضل لتركيا ألا تتدخل، ولكن في المقابل تتأكد أن قوات المعارضة تستطيع تأمين منطقة عازلة تمتد من الحدود التركية إلى عمق يصل إلى حلب، وفي النهاية ربما من الأفضل ترك سوريا لتفاعلاتها الداخلية، فربما تحسم الأمور قريبًا.
*(توداي زمان) التركية