تحدثت في مقالتي السابقة عن ضرورة الاطلاع على حضارات الشعوب وثقافاتها، والاستمتاع بما وصل إليه الإنسان من رقي وتقدُّم في الحضارة المدنية من حُسن التنظيم ودقته وتوفُّر وسائل الراحة من فنادق وشقق وطرق سريعة آمنة وشبكة قطارات هائلة على أرقى مستوى وحركة طيران لا تتوقف ولا تعتذر للسائح عن أية وجهة كانت، وطبيعة خلاَّبة من بحيرات وأنهار وشلالات وفضاءات خضراء لا تنقطع أبداً، لا غبار ولا رياح خماسين ولا جفاف ولا درجة حرارة تفوق الخمسين!.
نعم أشجع على السياحة الخارجية؛ فهي أوفر وأغنى وأيسر!
أوفر؛ لأنها لن تكلف السائح سوى فرق التذكرة؛ لبُعد المكان، وسيوفر مالاً كثيراً في أجور الفنادق والمواصلات والمعيشة؛ لأنه لن يصادف من يستغله في السكن فيؤجره شقة تشبه الزريبة بخمسمائة ريال، ولو كانت نظيفة فلن تقل أجرتها عن ألف ريال، أو فندقاً نائماً يجيب الهمّ غرفته تصل إلى الألف! أما كون السياحة الخارجية أغنى فذلك حق والله؛ فالسائح يحار أين يذهب؟ وما يُقدم أو يُؤخر: إلى متحف أو قصر أثري، أو معبد تاريخي، أو شلال، أو رحلة بحرية أو جبلية أو تسوق، أو أزقة قديمة في بلدة عتيقة، أو جولات في الطبيعة الساحرة؟! أما كونها أيسر فهذا حق وأيم الله؛ فلن يتوقف أي سائح عن مقصد له مهما كانت وجهته، وسيختار ما يريحه؛ إن ركب قطاراً وجده على أحدث طراز، سرعة ونظافة في المكان والمأكل والمشرب، وإن اختار طيارة فسيقلع من فوره، وإن رغب سيارة سيجدها كما يتمنى جدة وجمالاً ودون مغالاة أو خديعة!.
وبعودة إلى الهمّ السياحي الداخلي كيف نجد في أنفسنا شيئاً من الدوافع تحدونا لأن نُوجه الخطاب الدعائي تلو الخطاب بحثّ مواطنينا على السياحة الداخلية والبرامج السياحية الترفيهية يدور حولها ضجيج كل سنة لا ينقطع، ووسائل المواصلات الراقية ما زالت في خانة غير الموجودة أو المتخلفة، فلا رحلات داخلية متوفرة، ولا قطارات تقطع فيافي هذه الصحاري الجرداء المجدبة التي لا نبت فيها ولا زرع ولا ضرع! ولا طرقاً طويلة آمنة مؤمَّنة تُوصل السائح إلى مبتغاه إن رغب طريق البر دون مخاوف من حوادث الموت الجماعي التي تحصد العوائل - مع الأسف - في المواسم لسوء تنفيذ الطرق وضيقها وازدحامها وجهالة بعض قادة السيارات!.
كيف نجرؤ على ترداد كلام لا معنى له في الواقع، ويعلم الناس كلهم أنه لا يمكن أن تتكون لدينا صناعة سياحة لأسباب تخص المجتمع نفسه، ولأسباب أخرى خدمية لم تستطع لا هيئة السياحة رغم اجتهاد الأمير سلطان بن سلمان الدؤوب وإصراره على تذليل كثير من العوائق، ولا الجهات الأخرى المرتبطة بصناعة السياحة كوزارة المواصلات أو الخطوط السعودية أو وزارة البلديات وغيرها إنجاز بنية تحتية قوية تنهض بالسياحة الداخلية أو ترغب فيها!.
وبودي أن أعرج في ختام هاتين المقالتين على مفهوم أراه غير حقيقي، فما علاقة تشجيع السياحة الداخلية بالمواطنة؟! إذا كان الأمر كذلك فإن نسبة المواطنة ستكون ناقصة ومشكوكاً فيها عند جل من يحزم حقائبه مطلع كل صيف مغرّداً في حدائق وسهوب وتاريخ العالم من أقصاه إلى أقصاه؟!.. وهل من يرحل مستكشفاً مستمتعاً في هذا الكون ناقص وطنية؟! ومن يغرس قدميه في أُتون هذه الصحراء اللاهبة كامل الوطنية؟!.
moh.alowain@gmail.com