يكفي العدل مكانة وسمواً أن الله تعالى اتخذه لنفسه اسما من أسمائه الحسنى، فأية مكانة أسمى، وأية درجة أعلى من هذه الدرجة وتلك المكانة،
وإذا كان الشيء بضده يبين وينجلي وتعرف حقيقته فانه سيتجلى لنا عظمة العدل ومكانته في النفوس ومحبته في القلوب عندما نعرف أن ضده هو الظلم، الكلمة القاتمة الكريهة التي تأباها العقول، وتعافها القلوب، وتنفر منها النفوس السوية، فالظلم صفة ذميمة، وعاقبته وخيمة، ولا يصدر إلا عن نفس مريضة، ولا تقبله إلا نفس وضيعة، وحيث وجد الظلم نجد الجور وعدم الإنصاف والمحاباة، والحقد، والعداء، والبغضاء والمحق والخراب.
والإسلام الذي يدعو لكل خير ويثيب عليه، دعا للعدل وأكد عليه بحسبانه منبع الخيرات كلها، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وإذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) النساء -الآية 58، وقال: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) المائدة -الآية 42، ويقول سبحانه (إنّ اللهَ يأْمُر بِالْعَدْل والإحْسَان) النمل الآية 90، فالله سبحانه وحكمه عدل، وتنفيذه عدل، وحماية للمجتمع من الفساد، وطغيان القادر على الأمن، وحماية للحقوق والأموال، وعصمة للدماء، وتأمين للمجتمع، فبالعدل قامت السموات والأرض، والحكم بالعدل خير من أن تمطر الأرض كذا خريفاً.
وقد احتوى تراثنا قصصاً عن العدل في عهد الصحابة والتابعين أذهلت العالم، فكان الخليفة وهو حاكم الدولة الإسلامية يقف مع خصمه أمام القاضي، وقد يحكم القاضي لخصمه إن كان الحق معه، وقد وقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو خليفة المسلمين أمام القاضي مع خصمه اليهودي عندما اختصما في درع، وقد حكم القاضي بالدرع لليهودي؛ لأن عليا لم يكن له شهود على أنها درعه إلا الحسن والحسين فرفض القاضي شهادتهما لأنهما ابناه، رغم أن القاضي كان يعلم علم اليقين أن الحسن والحسين لا يمكن أن يكذبا ولكنه الشرع الذي لا يأخذ إلا بالنصوص الثابتة.
إن الله جلّت قدرته قد جعل نظام الكون قائما على العدل، وحيث وجد العدل وجد معه الأمن والاستقرار ورغد العيش، فلا أمن ولا رفاهية إلا تحت ظلال العدل، وكل الضرورات الخمس (الدين، العقل، النفس، النسل، المال) لا يمكن حفظها إلا بإقامة العدل ورفع الظلم، ولذا فإن الأمير أحمد قال: (لاشك كما يقال “نعمتان مجحودتان الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان لا يدركها الإنسان لأن الأمن هو الأساس)، مشيرًا إلى أن الأمن إذا فقد شيء عظيم واسترداده صعب، ويحتاج إلى وقت طويل وكل الدول والشعوب تنشد الأمن لأنه لا نمو ولا عمل ولا راحة ولا اطمئنان ولا حفظ للأموال والأعراض وقبلها الأرواح إلا بالاستقرار والأمن).
ولذا قال الأمير أحمد: (رجال أمننا دائماً يتحرون الحقيقة وعليهم بذلك أن يبذلوا جهدهم لإنصاف الجميع في كل شأن وبأعمالكم تستقر الأمور وتتحسن الأوضاع وتحفظون أموال الناس ودماءهم وهي الأهم وأعراضهم).
هذه حقيقة ساطعة، فوزارة الداخلية بجميع قطاعاتها قام ويقوم منسوبوها بالحفاظ على أمن واستقرار البلاد في طولها وعرضها، وكانوا ولا زالوا شوكة في نحر الإرهابيين وأصحاب الغلو والتطرف، وبعضهم قدم حياته فداء لأمن واستقرار الوطن، ومن حق الأمير أحمد بن عبدالعزيز أن يفخر بهؤلاء الرجال الذين يسهرون على راحة واطمئنان المواطنين ويمثلون سدا منيعا لأمن الحجاج والمعتمرين والزائرين.
كان معاذ بن جبل رضي الله عنه إذا جلس يحدث الناس قال: الله حكم عدل، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه عندما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على توزيع الحقوق في خيبر قسمها بالعدل، فعرف اليهود - لما أخبرهم بأن هذه قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم - عرفوا أنها عدل وقالوا: على هذا قامت السموات والأرض، وهذه هي عدالة الإسلام وحكم الله الذي ترتاح معها النفوس للعدل والقسط ومن أحسن من الله حكما.
إن المجتمعات لا تقوى وتزدهر ويعمها الأمن والسلام والطمأنينة إلا بسيادة العدل، وتصدي كل السلطات لواجباتها لإقامة صروح العدل ليعلو صوت العدل فوق كل الأصوات، فالدول لا تقوم لها قائمة، ولا تثبت أركانها ولا يعلو بنيانها، ولا يسعد سكانها، إلا بالعدل وسيادته، وتطبيقه على الجميع دون تميز أو محاباة.
ان الأمير أحمد بن عبدالعزيز، وهو يقول إن رجال الأمن رسل خير وهم الجماعة الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وكل هذه الأمة مدعوة أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وليس رجال الهيئة فقط هم من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) هذه كلمات حكيمة للمسؤول الأول عن أمن هذه البلاد المقدسة، يعبر عن عمق الإرادة والحكمة والحنكة، يدرك أهمية العدل والعمل الصالح، ولذا فإنه يرى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو واجب كل مسلم ومسلمة، فإذا كان هو واجب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فانه على الجانب الآخر واجب رجال الأمن، كما أنه واجب الأمة والمجتمع، وبذا تتحقق المنفعة العامة للدولة وكل المواطنين.
وعلى الجانب الآخر، فإن المسؤول الأول عن الأمن أكد أن المدنيين والعسكريين جميعهم رجال أمن، وطالبهم ببذل المزيد من الجهد والاجتهاد في خدمة الوطن والمواطنين، ولأن البشر يصيبون ويخطئون وهذه من طبيعتهم؛ فالكمال لله جلّت قدرته، ولذا فإن الاعتراف بالخطأ والرجوع إلى الحق هو الفضيلة، وهذا هو عنوان الصدق مع الله سبحانه وتعالى، ولذا قال الأمير أحمد: (أنتم أيها المدنيون والعسكريون كلكم رجال أمن وخلفكم الآلاف من أنحاء المملكة، داعيًا إلى بذل المزيد من الجهود والتطوير والجد والاجتهاد في خدمة الوطن والمواطن).
وأضاف: (لا يمكن أن يقول لنا أحد إننا لا نخطئ ولا يمكن لأحد أن يعمل ولا يخطئ ولكن الرجوع إلى الحق هو الفضيلة في كل أمر وشأن، ويجب علينا أن نكون صادقين مع الله سبحانه وتعالى الذي لا يخفى عليه شيء في السر والعلن (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) وهذا هو المطلوب من رجال الأمن بالذات بأن يتقوا الله في أنفسهم، وفي من يتعاملون معه في كل أمر، نعلم أن علينا مسؤولية كبيرة وهي حفظ الأمن والاستقرار في هذه البلد إن شاء الله).
أرسل عامل (أمير) في عهد عمر بن عبدالعزيز إليه يقول: (إن المدينة قد تصدعت مبانيها وأصاب طرقاتها الخراب، وطلب من عمر أن يرسل له مبلغ من المال لصيانتها، فأرسل إليه عمر بن عبدالعزيز يقول: (صنها بالعدل).
والمملكة دستورها القرآن والسنة، ودولة هذا دستورها تطبق العدل تنفتح زهرته وتنمو شجرته وترفرف أعلامه، وينعم الناس بالأمن والاستقرار، ولذا وصف الأمير أحمد بن عبدالعزيز رجال الأمن بأنهم (رسل خير) ودعا ربه جلّت قدرته في نهاية كلمته الهامة أن يحفظ لبلادنا أمنها وأمانها في ظل العدل الذي حيثما وجد تحقق الأمن والاستقرار ورغد العيش، ومن السبعة الذين يظلهم الله تعالى يوم القيامة أمام عادل، فالعدل يرفع أصحابه على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وهم الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا، كما ورد في صحيح مسلم.
dreidaljhani@hotmail.comرئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية