لطالما استوقفني صوت الحب والإعجاب مقارنة بصوت الكره والانتقاد اللاذع، لماذا الأول صوته خافت حد الهمس إن لم يصل للصمت، بينما الثاني جهوري نشاز ينطلق كيفما كان، دون أن يراعي ما يكسره في طريقه!
لا شك أن الإطراء والإعجاب حاجة فطرية في الإنسان والحيوان كذلك، تلك الحاجة تحفز في المخلوق البحث عن التجمل، وتحسين المظهر، والاستعراض لجذب الآخر، وللشعور بالزهو، وهي أمور طبيعية ومهمة للجميع.
وفي المقابل لا بد من وجود أدوات نعبر بها عن الأمور الجميلة والطيبة في الآخر، كالكلمة والنظرة، وإذا لم يحدث ذلك كان الجفاف العاطفي مصير العلاقات أياً كان نوعها، فما الذي يمنع المجتمع أن يتبادل الإطراء، ويمتدح بعضه، ليكون بصحة نفسية جيدة؟
الأسباب متشعبة، بدءاً من التربية ووصولاً لتمايز الشخصيات، إلا أن هناك سبباً غائباً عن الملاحظة، وحاضراً في ثقافتنا، لا تكاد طبقة من طبقات المجتمع تخلو منه، تجعل من ذكر محاسن الآخرين، ومواطن الإبداع فيهم، مهمة شائكة قد تدخلهم في دائرة الاتهام والريبة!
إنه هاجس “العين والحسد” المسيطر على الناس، الذي ترك الإعجاب صامتاً خلف الخوف من التهمة، وهذا الهاجس فتح آفاقاً تجارية للرقاة على اختلاف دوافعهم، ولن أتطرق هنا لحقيقة الإصابة بالعين أو كيفيتها، إنما تلك الفكرة أخذت حيزاً خطيراً في علاقات الناس ببعضهم البعض، ولست أبالغ إن قلت إنها سبب في جفاف المشاعر بين الأفراد، وقد سمعنا ورأينا من يظن أن أي امتداح له ولو كان من أقرب الناس مدعاة لعطبه ومرضه.
إن كانت العين حقاً، فإن الرسول - عليه الصلاة والسلام - حسم الأمر من خلال المحافظة على الأذكار، إلا أن الحاصل الآن وضع كوميدي درامي، لا تدري هل تضحك منه أم تبكي، وأصبح أخذ الأثر من الأقارب والأزواج والأبناء والآباء والأصدقاء، مهمة فوضوية، تأتي بالميكروبات من بيتها إلى أجسادهم، طلباً للشفاء!
إن هيمنة الفكرة تؤدي إلى تصديقها وبالتالي حدوثها، وذلك قانون عقلك الأزلي، فما تخاف منه وتهرب منه هرولة، يأتيك راكضاً من صنع يديك.
كيف تنظر لأجمل ما في شريكك وتعبر عنه إن كنت تعتقد أنك تؤذيه بعيونك “الفتاكة”! وكيف تعالج حاجة التعبير عن الحب دون أن تمتدح من تحب! إنها لمهمة خرافية.
amal.f33@hotmail.com