إن غالبية الشباب في مجتمعاتنا تفتقد إلى ما يسمى بثقافة وتقدير العمل، التي تلقى اهتماماً ورعاية في مجتمعات وجنسيات أخرى كثيرة، منها على سبيل المثال وليس الحصر الفلبين، اليابان، الدول الأوروبية، فالعاملون في هذه الدول يجيدون فنون ومهارات المهنة أو الحرفة التي يعملونها، فضلاً عن التزامهم بتوقيت التنفيذ، والسعي نحو التطور والرقي في المجال الذي يمتهنونه.
أما في بلداننا فالشباب يخشون أولاً العمل في القطاع الخاص، ويبحثون عن الوظيفة الحكومية التي يعتبرونها أكثر أماناً واستقراراً في حين أن هناك بعض المواقع في القطاع الخاص تسهم في تطوير مهارات الشخص وتصل به إلى مواقع رفيعة ورواتب عالية جداً، فضلاً عن منافسته في السوق وازدياد معدلات الطلب عليه لاستفادة الشركات والمؤسسات من خبراته وإمكاناته التي تنعكس إيجاباً على أداء المؤسسة التي يعمل فيها.
ونشاهد البعض عندما ينتقل من شركة لأخرى لا يتذكر سوى عيوب شركته الأولى ويتناسى الخبرات والتطورات التي حصدها طوال مدة عمله فيها، ولا يدري أن هذا الأسلوب يسهم في عدم احترامه لدى صاحب العمل أو مديره المباشر عندما يكيل الاتهامات لشركته الأولى.
وهناك ظاهرة سلبية أخرى ترتكز على عدم الالتزام بمواعيد العمل أو إنجازه في الوقت المحدد باستخدام عبارة نعمل على قدر راتبهم، وهي من أسوأ الأساليب والعبارات التي يستخدمها بعض الموظفين أثناء تأدية أعمالهم، علاوة على اتكالية الكل على البعض في العمل، فأعضاء الأسرة الواحدة يعتمدون على رب المنزل في الإنفاق عليهم والحصول على كافة نفقاتهم، وقد استوقفتني دراسة صادرة عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تشير إلى أن 70% من أفراد الأسرة السعودية غير منتجين ويعتمدون على رب الأسرة في توفير احتياجاتهم كافة، وتؤكد الدراسة أن الأسرة السعودية لا تربي أفرادها على ثقافة العمل الصحيحة ليكونوا أفراداً منتجين يحملون النظرة الإيجابية للعمل منذ الصغر ولمختلف الأعمال دون تمييز، بل هناك نظرة خاصة تتطلع للعمل الحكومي على اعتبار أنه أقل التزاماً وأكثر مرونة في متطلباته.
ونكتشف في النهاية عدم تقدير قيمة العمل لدى الموظف في كل أو بعض مراحل العمل، وأن ثقافة اللامبالاة والتسيب الوظيفي مترسخة بشكل كبير لدى الموظفين لأن البعض لا يؤمنون بأهمية تطوير القدرات والمهارات الوظيفية، ولا يلقون بالاً لضرورة إتقان العمل بكل مراحله المختلفة.
هذه القضية تحتاج إلى وقفة حاسمة وحازمة من قبل كافة المسؤولين والقائمين على قطاع العمل في البلاد بهدف غرس ثقافة العمل لدى المجتمع ابتداء من البيت فالمدرسة وانتهاء بكافة أركان الدولة لنتحول من مجتمع يقوم على الآخرين إلى مجتمع يقوم على سواعد أبنائه لينهض بالوطن والمجتمع.