يكرِّر الإعلام المحلي عبارات معمّرة محفوظة لم تتغيّر بتغيُّر السنين، ولم تتبدّل بإنشاء هيئة السياحة التي زادت جرعات الدعوة في ما يشبه اليقين القطعي، بأنّ السياحة الداخلية فرض عين لتتحقّق المواطنة الحقّة!
أنا ضد السياحة الداخلية لاعتبارات كثيرة، بعضها يمكن ذكره، وبعضها لا يحسن ذكره!
أشجِّع السياحة الخارجية وبقوة استجابة لضرورات الوعي بالعالم، واكتشاف ثقافاته وعاداته وتقاليده وأنماط حياته، والاطلاع على تواريخ الشعوب، والآثار الحضارية من قصور أثرية لم يحرّك فيها مرور مئات السنين طوبة، لا قصوراً من طين تسحلها الرياح وتذوّبها الأمطار فلا يبقى لها أثر بعد نصف قرن على الأكثر، ميزة مباني وقصور الحضارات الأوربية على الأخص والإسلامية في الأندلس - مثلاً - متانة البناء وقوّته وجماله، فنجد بعض القصور الأثرية الفخمة أو الجوامع ينيف تاريخ بنائها على ألف عام! جامع قرطبة الذي بدأ في بنائه عبد الرحمن الناصر واستكمله الخلفاء الأمويون بعده له نفس العمر، قصور الحمراء في غرناطة آية من آيات الفن المعماري للعرب تشهد بتفوُّق الحضارة الإسلامية التي استفادت من ثقافات العالم آنذاك، ولها من العمر أكثر من خمسمائة عام! كاتدرائية نوتردام بباريس على نهر السين في حي السان جرمان مثلاً لها ستمائة سنة! ماذا يجد السائح السعودي من قصور أثرية أو جوامع تاريخية تلفت الانتباه بروعتها الفنية العالية؟!
يجد السائح السعودي وغيره حين يقصد كثيراً من دول العالم تاريخ حضارات، وتحفاً فنية تخلد تلك الحضارات، ويجد طبيعة ساحرة، شلالات وأنهاراً وبحيرات وجبال ثلج ومنحدرات خضراء ساحرة وأجواء باردة لطيفة، ويصل إلى ما اختاره من تلك الروائع الخلاّبة بطرق سهلة وميسورة وبأثمان معتدلة جداً، فلن يجد مشقة في حجز طائرة أو قطار أو باخرة أو حافلة، سيجد رحلات الطائرات بين المدن كل ساعة، والقطارات الذاهبة والآتية كل ربع ساعة تشبك مدن وقرى كل دولة أوربية وتشبك دول أوربا ببعضها وكأنها دولة واحدة! يجد السائح الفنادق النظيفة الراقية بأسعار معتدلة، وبوسائل حجز سهلة، ويجد المطاعم والمقاهي تقدم له الطعام أو القهوة بالأسعار نفسها التي تقدمها للسائح الأوربي، لا استغلال لموسم، ولا تزيد على أحد من الناس!
يأخذ السائح سيارته من أية شركة تأجير ويخترق بها القارة الأوربية لا تعد له الشركة كم قطع من الكيلومترات - كما نفعل هنا! - بل تحاسبه على اليوم لا على الكيلو متر، لأنه لم يستأجر السيارة ليصور معها؛ بل ليقطع بها مئات إن لم يكن آلاف الكيلو مترات!
لا أشجِّع السياحة الداخلية؛ لأسباب عديدة، ليس لأنني لا أحب تحفيز وتعلية مستوى هذه الصناعة المتخلّفة لدينا، لا؛ بل لحيثيات أعتقد بوجاهتها، فماذا يجد السائح من برامج في أيّة مدينة أو قرية؟ وكيف يصل إلى تلك المدينة السياحية إن رغب؟! فلو أراد الوصول بالطائرة لمدينة داخلية لطلب منه الانتظار شهراً أو أكثر، أو قيل له الحجز مقفل، أو لفكر أن يستعين بصديق لعله يستطيع اختراق هذا المقفل، ولو أراد الوصول إلى مدينته السياحية السعودية التي اختارها بالقطار لن يجد قطاراً يصل إلى أبها أو جدة أو الطائف أو الباحة! وإن ركب سيارته ليمخر عباب الصحراء فألف وعد مميت يترصّد به ... يتبع
moh.alowain@gmail.com