الحديث هنا ليس لتبرئة الغرب، فمن المسلم به أن سياساته الخارجية تحكمها المصالح، لا الأخلاق في كثير من الأحيان، ولكننا نؤكد على أن هذا الغرب - على علاته - أرحم بكثير من أي قوة أخرى على هذه الأرض التي نعيش عليها، ولنا في التاريخ عبر لن تمحى من الذاكرة، وهذا الحديث نسوقه لأولئك الذين يدعون على هذا الغرب ليل نهار بالدمار، مع أنهم- يا للمفارقة- يعيشون على ما تنتجه آلة هذا الغرب ذاته، وهذا لا يستقيم.
الأدهى من كل ذلك، هي تلك الأمنيات التي يطلقها البعض إلى ما قبل فترة قصيرة، وتتمحور حول الرغبة في أن ينكسر الغرب، وتتولى روسيا أو الصين زعامة العالم!. الآن، وبعد أن أعلنت هاتان القوتان دعمهما للنظام السوري، عادوا إلى ذات السيرة بطريقة معكوسة، فهم الآن يلعنونهما ويتمنون زوالهما، ما يعني أن الأحكام - في حالتي الغرب والشرق - كانت عاطفية، وأن هؤلاء الأخوة لا يفقهون في السياسة الدولية وتعقيداتها شيئا، فأحكامهم آنية وسطحية، ومع ذلك فإن الوقت قد حان لنبين لهم بعض الحقائق التي قد تخدمهم مستقبلا.
من بدهيات السياسة أن العلاقة تبنى على المصالح، ولذا فإن الموقف الروسي والصيني تجاه سوريا، هو ذات الموقف الأمريكي من قضية فلسطين، ولئن كان الروس والصينيون قد استخدموا الفيتو ثلاث مرات في قضية سوريا خلال عام، فإن أمريكا استخدمته مئات المرات خلال عقود طويلة في القضية الفلسطينية، فأهمية إسرائيل بالنسبة لأمريكا تعادل أهمية سوريا بالنسبة للروس، ومع ذلك فإن الغرب يظل أرحم بكثير من روسيا والصين إذا أخذنا في الاعتبار التاريخ الاستعماري، والتعامل مع الشعوب على مدى القرنين الماضيين.
لست هنا أبرر للغرب، فله تاريخ لا ينسى مع العرب والمسلمين، ولكننا يجب أن نتذكر أنه تشرب قيم الحرية والعدالة منذ زمن بعيد، وفي المقابل فإن روسيا والصين دولتان دكتاتوريتان يعاني شعوبهما الأمرين، ولنا في الانتخابات الروسية الأخيرة خير مثال، ولك أن تتخيل ما يمكن أن تفعله قوة دكتاتورية غاشمة لو قدر لها أن تملك زمام السيطرة على هذا العالم، على غرار السيطرة الأمريكية خلال العقود الماضية. وفي الأخير، أتساءل: هل كان لزاما أن تقف روسيا والصين هذا الموقف من سوريا لنتعرف على حقيقتهما؟، ثم أؤكد على أنه إذا كان قدرنا أن نكون أمما مستضعفة، فإن الغرب - رغم هناته - هو خير من يقود الحراك الإنساني على هذه المعمورة، لأنه ببساطة يؤمن بالقيم الإنسانية السامية، وهذا كاف إلى حد كبير.
فاصلة:
» الديمقراطية الحقيقية لا تتمثل في التصويت، بل في فرز الأصوات بطريقة صحيحة «.توم ستوبارد.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2