لو أجريت دراسة عن أسباب معظم الخلافات التي تقع بين أفراد المجتمع، لن أستغرب أن تتصدّر (النميمة) تلك الأسباب، نتيجة ترسُّبات ما نقل لكلِّ طرف عن الآخر..؟!.
نحن نعيش في زمن أغبر بالنسبة لمسألة (القيل والقال) وما بينهما، وما تسبِّبه هذه المهنة الاجتماعية التطوعية التي أنبرى لها البعض من باب (حب الخير) والإنصاح لأحد الأطراف على حساب الآخر، وتوعية الغافلين وتفتيح عيون (القطط المغمضة)، والتي عادة ما تبدأ بالديباجة الشهيرة: تعرفني (ما أحب نقل الحكي) لكن ما ودي يقال عنك كذا أو كذا وأنت (يا غفلين لكم الله)..؟!.
إنّ هذه (المهنة التطوعية) المسمومة تقود لقطع الرحم ونشوب الخلافات، وآثارها وترسُّباتها تتراكم لتشتعل (أم المعارك) بين الأهل والأصدقاء والأرحام على قضايا فارغة جوفاء لا تستحق الالتفات لها، والأولى الترفُّع عنها..؟!.
من المؤسف أنّ عدداً كبيراً من المتقاطعين والمتخاصمين بيننا اليوم، لا يملكون سبباً مقنعاً وكافياً لهذه القطيعة والخصام، ولكنهم في النهاية يصبّون (جام غضبهم) ويتحسبون على فلان أو فلانة الذين تسبّبوا في ضررهم لا لشيء إلاّ بسبب (وشاية) من حاقد أو جاهل تلقّفها سماعاً ولم يع ما يقول، لتندلع بعد ذلك معركة الرابح فيها خاسر والمنتصر مهزوم، ليؤكد الإنسان خلالها قول الأعشى:
ومن يطعِ الواشينَ لا يتركوا لهُ
صَديِقاً وَإنْ كَانَ الحَبِيبَ المُقَرَّبَا!.
لسنا المجتمع الوحيد الذي تنتشر فيه (ثقافة القيل والقال)، بل إنّ صحيفة (الديلي تلغراف) البريطانية نقلت دراسة عن إحدى الشركات الأمريكية، تؤكد أنّ 15% مما يتناقله الأمريكيون في رسائلهم البريدية يحوي نميمة عن سيرة آخرين، وهناك دراسة بريطانية أخرى تتحدث عن ضياع نحو (298 دقيقة) يومياً من وقت (نساء الغرب) في الثرثرة والنميمة عن أخريات..!.
ولكننا بكلِّ تأكيد (كمجتمع مسلم) نملك فرصة هذا (الشهر الكريم) للتخلُّص من آثار ما نقله الآخرون لنا من نميمة (طوال العام)، عبر غسل القلوب وإصلاح النوايا وتناسي ما قيل، هي فرصة لن يُجيدها غير (أولئك العظماء) الذين كانوا ضحية (نقل مسموم) مارسه أصحاب هواية أمنوا العقوبة، فلا رادع لهم، ولا قانون يحمينا من عبثهم في الدنيا، وإنْ كان وعيدهم في الآخرة عسير.!
ولعلِّي أختم بآخر المعارك التي نشبت يوم أمس الأول بين (موظفتين كويتيتين) تشابكتا بالأيدي في رمضان (نهاراً جهاراً) وهما صائمتان في مقر عملهما بمنطقة سلوى..!.
وسبب العراك بحسب (إحدى الصحف الكويتية) هو استجابتهما للنميمة.. ومحترفة القيل والقال (قاتلها الله)..!.
وعلى دروب الخير نلتقي.
fahd.jleid@mbc.netfj.sa@hotmail.com