ما رأيك؟ هل جذبك هذا العنوان؟ لا شك، فعبارة «الكمية محدودة!» جزء أساسي من الحملات الترويجية التي يستخدمها التجار لتسويق بضائعهم، سواءً سيارة أو جهاز أو حتى شطيرة جبن! ورغم أنها حيلة واضحة إلا أنها من المبادئ الأساسية التي تُستخدم لدفع الناس للشراء، وهذه لن تتوقف أبداً، لأنها فعالة رغم وضوح زيفها، وهذه الحيلة مبدأ من مبادئ التأثير النفسي على الناس، وهو عندما يقوم التاجر بإيهام الناس أن السلعة التي يحاول بيعها قد تنفد قريباً، ولهذا فعليك أيها المستهلك وأيتها المستهلكة أن تهرعوا بأسرع سرعة لتشتروها، وتذهبين فتشترينها، وتمضي الأيام والناس يشترون منها بكميات ضخمة في عدة فروع وعدة مدن ومع ذلك لا تنفد هذه السلعة، بل الشاحنات -ما شاء الله- تعمل ليلاً ونهاراً في نقل كميات ضخمة من هذه السلعة ذات «الكمية المحدودة»! وقل نفس الشئ عن عروض «لفترة محدودة»، فعندما ترى وعندما ترين كلمة «محدودة» هذه وما شابهها فاعلمي أنكِ تحت هجمة نفسية مدروسة. وهذه لها أخوات، فأيضاً من الأساليب المُجنَّدة تحت لواء هذه الخدعة هي عندما يخبرك البائع أن عليك أن تتخذ قراراً فورياً، لأن السلعة سيرتفع سعرها وهذه فرصتك الأخيرة لتحصل عليها بالمبلغ الحالي (وهو مبلغ مُربح جداً للمتجر)، فهذا نوع أشد صرامة وجرأة مما سبقه من الخدع.
وهناك تجربة بسيطة أظهرت تَأصُّلَ هذا المبدأ في نفس الإنسان، فأتى بعض الناس ومعهم علبة زجاجية فيها 10 قطع من الكعك، وأعطوا شخصاً إحدى القطع، وكرروا التجربة مع غيره.
ثم القسم الآخر من الناس أتى الدارسون وطبقوا نفس الشئ إلا أنهم هذه المرة لم يكن في جرّتهم إلا قطعتان من الكعك.
لما سألوا كلا الفريقين لاحقاً، كان الفريق الثاني أكثر إيجابية في رأيه عن مذاق الكعكة، لأنهم رأوا ندرتها في الجرة وأنه لم يبق إلا قطعة واحدة، أما الفريق الأول فإنهم لا شعورياً زهدوا في طعم الكعك ورأوا أنه أقل لذة فقط لأنهم رأوا أنه أتى من جرة مليئة بقطع أخرى! هذه التجربة تمثل أغلبنا وتنطبق عليه، وهذا المبدأ يعتمد على عامليَن، أولهما أن ملاحقتنا للأشياء النادرة ليس خطأً في حد ذاته، ففي بعض الأحيان الشئ النادر قد يكون أفضل وأجود من الشئ الشائع.
لكن العامل الثاني هو المجهول عند الناس وهو الحبل الذي يلعب عليه التجار، وهو عامل التحكم.
إن الإنسان كائن منذ صغره وهو يحتاج أن يكون مسيطراً على وضعه؛ يحتاج أن يكون متحكماً بظروفه وبشأنه.
عندما يرغب الإنسان في شئ ويدرك أنه نادر وقد ينفد حينها يتبخر جزء من تحكم الإنسان بظروفه وحياته، ونقْص التحكم هذا هو من الأسباب التي تجعل هذا المبدأ قوياً، فنسعى وراء تلك الأشياء التي بدأت تختفي من الأسواق رغبة أن نعيد المزيد من السيطرة على ظروفنا.
وعندما نقول إن الإنسان لديه الرغبة هذه من صغره فهذه ليست مبالغة، وهذه تعرفها الأمهات، فالطفل منذ أن يولد يَسهل تلقينه وتربيته، حتى إذا أكمل سنتين بدأت مشاكل تظهر فيصير أكثر عناداً وتقلباً، تحملينه فيحاول التملص من ذراعيك، وتضعينه أرضاً فيبكي راغباً أن تحمليه.
تعطينه لعبة فيلقيها غير آبهٍ بها، وتحرمينه منها فإذا به يجعل هدف حياته أن يُطْبق عليها بيديه! لماذا هذا؟ السبب أن الوليد في أول سنتين من عمره يشعر كأنه امتداد لمنظومة اجتماعية، فإذا أكمل 24 شهراً بدأ يشعر باستقلاليته: يبدأ يشعر أنه فرد، ذو نفسٍ مستقلة، وهذا الشعور بالنفس ممتع وشيق ويجر معه شعوراً آخر وهو الحرية، فيبدأ تطبيقها لا لسبب إلا لمجرد ممارسة هذه الحرية وتجربة خياراته.
فإذاً نرى أن هذه مشاعر قديمة وتمتد إلى مرحلة النضج، ولا بأس بها في الطفولة وهي مجرد استكشاف، أما أن يستخدمها التجار لشفط المال فهذا ما على المرء أن يحذر منه!