عندما أُعلِنَ تصنيف الصناديق السيادية العالمية، احتلت بعض الصناديق الخليجية مراتب متقدمة منه، أشرت إلى أن تضخم الأرصدة الخليجية في الخارج قد يجعلها هدفاً لبعض الدول الغربية.
الفريق ضاحي خلفان القائد العام لشرطة دبي، ذكر في تصريحات صحفية «أن الوطن العربي مستهدف دولياً وكلما كبرت صناديقنا السيادية وكثرت أموالنا في بنوكهم استهدفوا دولنا»؛ وهذا صحيح إلا أن الاستهداف الحقيقي لن يكون موجهاً نحو الثروات النقدية بل الثروات الطبيعية التي تتنازع عليها الدول الصناعية الكُبرى.
الحروب والقلاقل الطاحنة في الدول الإسلامية والعربية موجهة لتحقيق إستراتيجية غربية صريحة تقوم على تقاسم بعض دول الغرب الموارد الطبيعية التي لا يمكن العيش دونها؛ ومن أهم الموارد المستهدفة «النفط».
هناك صراع قوي بين الصين وروسيا من جهة، وبين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة أخرى.. هو صراع الجبابرة على مواقع النفوذ، ومصادر الطاقة.. الصين أكبر دول العالم نمواً في الطلب والإنتاج الصناعي، تبحث عن تأمين مصادرها النفطية لعقود قادمة، وكذلك تفعل الولايات المتحدة التي تعتقد أن نمو الصين وتمددها عالمياً، يعني تهديداً مباشراً لمكانتها العالمية، ويعني أيضاً تدميراً لقوتها الاقتصادية.
الطاقة هي مفتاح الصناعة والرخاء، وهي هدف الدول الصناعية، وسبب رئيس لما يحدث في الدول العربية، حتى وإن لم تكن من دول النفط، فالأهداف الإستراتيجية قد لا تتحقق إلا من خلال عمليات معقدة تُساعد في مجملها للوصول إلى الهدف الرئيس.. الغرب يتعامل مع الأراضي العربية وفق رقعة الشطرنج؛ يُحرك قطعه فوقها بدهاء ومكر، فسقوط إحدى القطع قد لا يعني تحقيق الهدف الرئيس، بل هو هدف أولي يفضي إلى الهدف الأخير؛ أو ربما يفضي إلى أهداف مساعدة تُفضي جميعها إلى تحقيق الهدف الرئيس. اللاعب الغربي يتلاعب ببعض اللاعبين العرب فيوهمهم بقدرتهم على منافسته أو التغلب عليه، حتى إذا ما مهد طريقه بمساعدتهم، انقض عليهم وأسقطهم بقسوة.. واللاعبون العرب ليسوا الحكام فحسب، بل الشعوب والجماعات، والأحزاب، والعلماء والمفكرون، وهم جزء من قطع الشطرنج التي يحركها اللاعب الغربي باحترافية ودهاء.
مبدأ البحث عن المصالح هو المكون الرئيس لإستراتيجية الغرب، وإن قدموا الوعود للشعوب الباحثة عن الحرية والرخاء، فوعودهم كوعود الشيطان الكاذبة؛ وقد نكص الغرب عن وعوده في العراق وأفغانستان وليبيا، وسينكص عنها في كل دولة يتسبب في دمارها مستقبلاً. دأب الغرب على إثارة الشعوب على حكوماتها، وهدفهم ليس نصرتهم، بل السيطرة والتحكم، فالتغلغل في الدول العربية لا يمكن أن يتحقق إلا بتحريك الشعوب وإثارة الفوضى وبث الفتن، وهذا ما يحدث في معظم الدول المستهدفة؛ وإذا كان الغرب نجح في إغواء الرئيس صدام حسين باحتلال الكويت ليقدم له بطاقة العبور العسكري إلى العراق وليس الكويت والسيطرة على حقول النفط فيها، فقد عالج بدهائه ومكره عقبة ذكاء بعض الزعماء العرب الذين لم يُعطوه سبباً لغزوهم، بـ «الربيع العربي» الذي هو خريف خطط له الغرب وتلقفته الشعوب العربية المغلوبة على أمرها، والتي لم تعد تُميز بين الجمرة والتمرة.
كُل ما قيل عن ثورة الشباب، وقدرة المواقع الإلكترونية على التغيير ما هو إلا كذبة روجها الغرب للتغطية على عمليات استخباراتية معقدة موجهة لتحقيق أهداف مساعدة للوصول إلى الهدف الرئيس.
الغرب لا يريد للشعوب العربية التقدم والتحرر والرقي، بل يريد أن يستخدمها كرأس حربة يوجهها للحكام من أجل تحقيق هدفه الأسمى وهو السيطرة على المنطقة وضمان الإمدادات النفطية، والقضاء على الصين التي لن تستطيع تأمين النفط مستقبلاً ما يعني انكماش اقتصادها وربما سقوطه، وهو ثمن بقاء السيطرة الغربية وازدهار اقتصادياتها.. انهيار الاقتصاديات الغربية المتوقع قريباً، وتعاظم الديون، دفع الغرب لاستنساخ اتفاقية «سايكس - بيكو» من جديد، وفق آلية القرن الواحد والعشرين؛ فهل تتنبه الشعوب العربية لخطط الغرب المدمرة، أم تُسهم في إنجاحها فتُصبح وقود النار؟!.
f.albuainain@hotmail.com