القوة اليوم ليست صواريخ ودبابات ورؤوساً نووية، القوة في هذا الزمن، صورة وصوت وكلمة، وحماية الهوية اليوم يجب أن تكون المقصد والهدف، وأن تتقدم على حماية الأنفس والأموال. هويتنا تتلقى الضربات الموجعة من كل اتجاه، وما زلنا في سبات بل غيبوبة، مبتعدين عن حقيقة ربما لم نستوعبها بعد وهي محاولة زعزعة ثقتنا بأنفسنا وبديننا وثقافتنا وتاريخنا.
جاء المسلسل التاريخي الأضخم “عمر” لينفض الغبار ويحرك الذاكرة، ويبث الإيجابية، ويبدد آمال المتربصين، ويعرّف أجيال العرب والمسلمين بعمر بن الخطاب الرجل العظيم الذي ارتقى بالإسلام الدين والدولة حتى حقق الفتوحات العظيمة ورفع بنيان الدعوة المحمدية التي أرسى أساساتها سيد الخلق، وكان العضد الأمين المحب والمخلص لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سيرته رضي الله عنه دروس لأجيال يحاول الحاقدون تشويه ماضيها، وحجب الحقيقة عنها.
شكراً لإم بي سي شاشة كل العرب، التي قدمت للأمة خدمة جليلة بإنتاجها أضخم عمل تاريخي، يصور للعرب والمسلمين في كل مكان سيرة هذا البطل الشامخ، ولم تلق بالاً لمن تحمسوا بلا سبب مقنع لإيقاف هذا العمل الكبير بأهدافه النبيلة وحرفية من عملوا على إنتاجه وتنفيذه.
برأيي أن من تحمسوا لإيقاف هذا العمل قبل الاطلاع عليه لا يختلفون كثيراً عن المتعجلين الذين يطلقون التحريم على كل جديد، ربما هم ذاتهم الذين هاجموا الأطباق اللاقطة “الدشوش” وهم من وقفوا بوجه “جوال الكامير”، هؤلاء الذين يعيشون في الكهف البعيد عن واقع المجتمع والسياسة، ويعتقدون أنفسهم منزهين عن الخطأ ويزكون أنفسهم، ويظنون الظن السيء بكل شخص لا ينتمي لهم أو يخرج بفكرة تختلف عما اعتادوا عليه!
يحب هؤلاء عمر بن الخطاب ولا أشكك في هذا طبعاً، كما أن لديهم غيرة على ديننا لا أنكرها، لكن هذه الغيرة المباركة وظفت في غير محلها، ولم ينظر هؤلاء إلى قائمة العلماء الذين أجازوا العمل وهم ممن لا يشكك أحد في علمهم، وأصدروا أحكاماً ظالمة ومتطرفة، وغلبوا سوء الظن كعادتهم ولم يفكروا بالفائدة الكبيرة للأمة بعرض عمل مميز ومراجع تاريخي وديني ليخلد سيرة رمز عظيم ومرحلة مهمة في تاريخنا.
هل يعلم المنتقدون أن السينما الإيرانية تستعد الآن لإطلاق أول فيلم عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في العام المقبل، كما سبق للدراما الإيرانية إنتاج أعمال عن الصحابة والأنبياء وعرضت على قنوات عربية؟! ألا يعرف هؤلاء أن قاتل عمر بن الخطاب بنى له المتطرفون من الشيعة الاثنى عشرية ضريحاً وأصبح مزاراً في منطقة كاشان الإيرانية؟! ومن يتبارك بقاتل عمر، يعمل لقتل تاريخه وتشويه صورته، والدور المهم في هذه المرحلة للإعلام بأن يُظهر تاريخنا المكتوب، لتتعلم أجيال لا تقرأ، بمشاهدة الصورة وسماع الصوت ومعايشة الماضي بأسلوب عصري احترافي.
انتظروا حتى نهاية المسلسل وبعد الحلقة الأخيرة بالتأكيد ستتغير آراء العقلاء الذين يعترفون بالخطأ أما أهل العناد فلن يتغير رأيهم ولو حاول كل أهل الأرض إقناعهم.
عن قرب: من أقوال الفاروق رضي الله عنه: “أخوف ما أخاف على هذه الأمة، من عالم باللسان، جاهل بالقلب”.
Towa55@hotmail.com@altowayan