منذ أن استلم الدكتور توفيق الربيعة حقيبة وزارة التجارة والصناعة وهو يعمل بإخلاص ملحوظ في كل ما يمكن أن يخدم المواطن، كأنما جاء أخيراً وزير تجارة يتفهم أنه لا يعمل لخدمة التاجر كالمعتاد، بل لخدمة المواطن، والوقوف بجانبه، وانتشاله مما وصل إليه من حالة إحباط، وعدم ثقة بأي وعود، حتى أنقذه الله بتقنية الإنترنت، ليفرغ غضبه في مواقع التواصل الاجتماعي، بدلاً من ارتياد العيادات النفسية المنتشرة في البلاد!.
إذا كان أهم ما يملكه التاجر في السوق هو سمعته، وما يقاتل لأجله على مدى عقود من السنوات هو صناعة اسم تجاري يحافظ عليه بعقله وبأسنانه إذا لزم الأمر، فإن أفضل عقوبة له حينما يستهتر بأرواح المواطنين وجيوبهم، هي إشهار مخالفاته على الملأ، وهو ما أقدم عليه وزير التجارة بشجاعة، بل إنه كلّف أكثر من عشرين مليون مراقب كما يقول، ويقصد الشعب بأكمله، بعد أن أعاد لهم الثقة بما يمكن أن يتخذه من قرارات عملية وشجاعة.
الأمر الآخر المهم، والذي يحسب له، هو اشتغاله على تصفية المساهمات العقارية المتعثرة، وإعادة حقوق المواطنين المجمدة إليهم من جهة، وإنعاش السوق العقارية بمزيد من عروض الأراضي الجديدة، وهو أمر كان يجب اتخاذه منذ سنوات طويلة، بدلاً من أن ينتظر ذلك المواطن الذي دفع كل مدخراته في مساهمة عقارية، على أن يستلم حقوقه من بيع هذا المخطط السكني أو ذاك، خلال سنتين أو ثلاث، لكنه انتظر عشر سنوات، وربما خمسة عشر عاماً، دون أن يستطيع استعادة حقوقه المجمدة أو المسلوبة، مما أفقده الكثير من الفرص الضائعة خلال هذه السنوات الطويلة!.
ولا شك أن تصريح الأمين العام بلجنة المساهمات العقارية في وزارة التجارة والصناعة بأنه تم خلال هذا العام الجاري تصفية عشر مساهمات عقارية متعثرة، هو أمر جيد ومهم، وخطوة مؤثرة في طريق التصحيح، ولكن ما يجلب الإحباط مرة أخرى، هو تصريح وزير التجارة والصناعة بأن هناك أكثر من ثلاثمائة مساهمة عقارية متعثرة، بمعنى أنه بحساب بسيط لمنجز الوزارة خلال السنوات القادمة، إذا كانت ستعمل على هذا المعدل، وهو تصفية عشر مساهمات متعثرة سنوياً، أننا نحتاج إلى ثلاثين عاماً من العمل الجاد والمخلص لإعادة حق آخر مساهم أو متورط في مساهمة أو عالق في فخ، وخلال هذه المدة الطويلة، يا معالي الوزير، سيكون الورثة هم من سيطالب بحقوق هذا المساهم الأخير، بل قد يأتي من بعدك وزير آخر، يعيد العربة أمام الحصان، فيوالي التجار ويؤاخيهم، كما آخيت أنت المواطنين!.
أعرف أن الأمر فوق طاقة الوزارة، وأعرف أن أصحاب هذه المساهمات العقارية يبحثون عن كل السبل التي تعطل عرضها في مزاد، ومن ثم بيعها، كلنا ندرك العوائق والعثرات، لكننا نثق بالله سبحانه، وبالرجال المخلصين في هذه البلاد، فالعمل المخلص والإرادة الصادقة، ستنجز هذا الأمر الراكد عشرات السنين، دون أن يجد أحداً يرمي حجراً، فيحركه. بمعنى أننا يا معالي الوزير، كي ننجز الأمر بشكل أسرع، بحاجة إلى أكثر من حجر، ربما إلى أحجار كثيرة كي ننفض بحيرة المساهمات الراكدة!.