العدل أساس الملك، هذا هو جوهر وصية المؤسس والموحد والمصلح الملك عبد العزيز رحمه الله، ورأيه أنه أساس العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهذا قول لا يصدر إلا عن حاكم مؤمن عادل.
والحكم في المملكة يقوم على أساس مبدأ العدل، وهذا المبدأ الذي نص عليه النظام الأساسي للحكم من أهم المبادئ التي يؤسس عليها نظام الحكم في الإسلام، وحيث وجد العدل تجد الإنصاف والمساواة، والمحبة، والتكافل، والتعاضد، والبركة، وزيادة الأرزاق، والأمن، والطمأنينة.
والظلم - الذي هو ضد العدل - لا يأتي منه خير أبداً، لا للظالم ولا للمظلوم، والظالم مكروه عند الخلق مكروه عند الله حيث يقول تعالى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} آل عمران - الآية 57، وأي خسران أكبر من أن يكون الإنسان مكروهاً من خالقه، فهو إن كرهك يكون عليك وليس معك، وقد قيل: (إذا كان الله معك فمن تخاف، وإذا كان الله عليك فمن ترجو) فعاقبة الظالم وخيمة، ونهايته أليمة، وطريقه مظلم موحش، إن الله الذي هو العدل حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً على عبادة، فقال في حديثه القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).
والإسلام يعتبر العدل قيمة (مطلقة) يجب أن لا تغيرها الأحوال ولا تبدلها المشاعر الشخصية فدعا إلى (العدل في الغضب والرضا) ودعا إلى أن لا يدعونا مشاعر العداء إلى التخلي عن العدل فقال: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} المائدة -الآية 8، فإن العدل حتى مع العدو هو من التقوى التي هي منجاة من النار، ومدعاة لرضا الله تعالى.
لذا فإن الأمير أحمد بن عبد العزيز وزير الداخلية عندما استقبل في مكتبه بالرياض الشهر الماضي الأمراء والعلماء والمواطنين وقادة القطاعات الأمنية ووكلاء الوزارة ومديري العموم وكبار المسئولين في الوزارة وقطاعاتها الذين هنأوه بمناسبة اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لأخيه الأمير أحمد بن عبد العزيز وزيرا للداخلية، نجده شدد على تحقيق العدل والاعتدال في جميع المجالات.
قال الأمير أحمد: (الحمد الله على ما أفاء به على هذه البلاد من نعمة الأمن والأمان التي جاءت بفضل من الله سبحانه وتعالى ثم بفضل من أسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز رحمه الله، والحمد الله أن وهبنا قيادة حكيمة ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين حفظهما الله).
وقد أكد الأمير أحمد أن وفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - تعد خسارة كبيرة، وقال (لاشك أننا فقدنا رجلاً عظيمًا وكبيرًا ليس في نفوسنا بل في نفوس جميع المواطنين وكل من عرفه في العالم الإسلامي والعربي، رجلاً خدم الدين والمليك والأمن والوطن منذ أن كان شاباً صغيراً وهذا أمر الله ولا مفر منه).
لا شك أن ما قدمه الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله لبلاده وبلاد العرب والمسلمين والمجتمع الدولي من جهود يعجز عنها حتى العصبة من الرجال أكبر من أن تستوعبه مقالات أو محاضرات أو كتب وأسفار ، فقد كان شعلة نشاط يعمل ليل نهار، فقد كان في مقدمة الرجال الذين يعشقون النجاح ، منذ أن عينه والده العظيم الملك عبد العزيز رحمه الله وكيلا لأمارة الرياض عام 1371هـ واستمر يبذل جهودا جبارة لخدمة أمن واستقرار بلاده وديار العرب والمسلمين وحماية المجتمع الولي، وفي ميدان السياسة والعلاقات الدولية كان نموذجا فريدا في قراراته وحكمته وحنكته وبعد نظره.
وقد بين الأمير أحمد أن الأمير نايف بن عبدالعزيز كرمه الله بالعمل المخلص لدينه ومليكه وبلاده، فقال: (كان سموه يعمل مجتهداً في إحقاق الحق ويراعي الله أولاً في كل أمر ثم قيادة هذه البلاد التي تدعو إلى الخير، كما كان متابعاً لكل الأمور وصادقاً في العمل مخلصاً فيه وكريماً في العفو وناصحاً لنا جميعاً أن نسترشد بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن لا نتعجل في الأمور وأن نقتدي بمن سبقنا بحكمة وعمل وأن نرأف بكل إنسان حتى المخطئين، وأن نتقصى الحقائق وعدم ظلم الآخرين، وقد رسم لنا رحمه الله طريقاً واضحاً لنتبعه وهو الجد في العمل والإخلاص والانضباط وعدم تقصد أحد بشر).
الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله صاحب نظرية واضحة في الأمن واستقراره، وزراء الداخلية العرب يتلمسون خططه في وضع القواعد الأساسية لحماية الأمن والاستقرار، كان عميدهم لسنوات طويلة حتى وهو يتحمل مسئوليات ولاية العهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية كان الجميع يقصدونه للاستنارة بفكره وآرائه وتوجيهاته، أنه صاحب قلب كبير وإنسانية فياضة وعبقرية وموهبة فريدة، سخر حياته لمنفعة البلاد والعباد وأمة العرب والإسلام والمجتمع الدولي، كان يعفو عند المقدرة، يصفح عن المخطئ وهي من صفات المؤمن الكريم الذي كان يوجه جميع منسوبي جهات الأمن بتطبيق شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وخدمة المواطنين والجد والاجتهاد في العمل طوال حياته المليئة بالإنجازات العديدة في جميع المناصب الهامة التي تقلدها واللجان العديدة التي ترأسها.
الله جلّت قدرته أرسل الرسل وأنزل القرآن لإقامة العدل ورفع الظلم، فالله سبحانه وتعالى أمر بالشريعة لتحقيق العدل، قال الحكيم الترمزي رحمه الله (العدل صلاح الأرض، والجور فسادها، وبالعدل قامت السموات والأرض) ولا أمن ولا استقرار ورغد عيش ورفاهية إلا في ظل العدل إذا أقيم في الأرض، قال ابن تيمية رحمه الله (العدل نظام كل شيء فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت) لأن العدل والمساواة بين الناس من أعلى قيم الإسلام، وهذا كان منهج الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله الذي كان الساهر الأول على أمن هذه البلاد المقدسة وأهلها الطيبين والحجاج والمعتمرين والزائرين والوافدين إليها من أجل العمل والرزق الحلال، والأمير أحمد بن عبد العزيز وزير الداخلية يسير على نهج وسياسة أخاه الراحل الكبير فقيد الأمة كلها، فهو خير خلف لخير سلف.
dreidaljhani@hotmail.comرئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية