لا أعتقد بأن فينا من لا يهمه أن يعيش في مجتمع يتمتع بأخلاق وسلوكيات حضارية راقية مستمدة من ديننا الإسلامي الذي هو في حقيقته دين الأخلاق والنبل والسمو الإنساني، وعليه لسنا إطلاقاً ضد ما يشير إليه (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لفظاً ومعنى.. لكننا في الوقت ذاته ننادي بممارسة ذلك على مستوى عالٍ من الإنسانية والتحضّر والالتزام بقواعد السلوك المنطقي السليم، من خلال معرفة الهدف من كل تحرك، أمراً كان أو نهياً ومن هم أولئك الأشخاص المصرّح لهم بالأمر والنهي؟
منذ سنوات طويلة ونحن نستمع إلى التصرفات الفردية من بعض أعضاء الهيئة التي لا ينبغي أن نؤاخذ الجهاز بأكمله عليها حتى أصبحت شبيهة تماماً بتلك الحجة الملازمة للكثير من الوزراء حين يتسنمون منصباً وزارياً وتمضي سنتان وثلاث وربما أكثر دون أن تتضح إنجازاتهم وحين يتم سؤالهم يجيبون ببساطة (التركة ثقيلة)..!
ما زلت أتذكّر جيداً تلك الحكاية منذ حوالي عشرين عاماً، التي حدثتني بها إحدى قريباتي عن أحد معارفهم والذي يعمل متسبباً هنا وهناك تارة في الحراج (شريطي) وتارة في بيع الخردوات وفي أوقات فراغه من الحراج التحق بالهيئة فوجد العمل هناك ممتعاً جداً، أن يترصد كل الحركات والسكنات، ثم يأخذ في التحدث عن مغامراته البوليسية حين انتابه الشك في أحدهم ثم شرع يطارده من حارة إلى حارة، ولا أدري ماذا كانت نهاية حكاية جيمس بوند هذه..! لكن أتذكّر جيداً أنني شعرت بالامتعاض والانزعاج من فعله! مرت السنين، ليصبح هذا الرجل في عداد المتعبين في حياتهم الذي لم يقدّم شيئاً، بل هو فاشل حتى على المستوى العائلي فقد تزوّج بأخرى وتنكّر لأولاده وزوجته الأولى (واللهم لا شماتة)! ما أردت قوله حول تلك الحكاية، أن الحال لم يتغيّر كثيراً في وجود أفراد من الهيئة ما زالوا يتصرفون تصرفات فردية خاطئة، أقول ذلك ولا يزال حادث قتيل بلجرشي أمام عينيّ، كان حادثاً مفجعاً ومفاجئاً وقد تضاربت الأقوال حوله، كان آخر هذه الأقوال ساعة كتابتي لهذا المقال: بأن دورية الأمن لحقت بسيارة المجني عليه - رحمه الله- ثم حينها انطلقت سيارة الهيئة خلف دورية الأمن، ومن صرح بذلك يظن بأن وضعهم أصبح سليماً وأنهم ليس من بدأ المطاردة إلا أن ذلك يفرض سؤالاً آخر لا بد لهم من إجابته، ما الذي دفعهم إلى مشاركة دورية الأمن أهو الفضول وحسب أم إحساسهم بوجود وقت فراغ لديهم وبحثهم عن شيء ما للتسلية! أطرح هذه الأسئلة وأؤكّد أن هذه هي المرة الأولى التي أتعرض فيها لموضوع حول الهيئة، فالحادث الشهير كان مفجعاً ومؤلماً إلى أبعد مدى فماذا بعد مقتل رجل وإصابة زوجته وأطفاله الصغار فقط لأن صوت المسجّل كان عالياً؟! أخيراً أود أن أقول بأنه لا بد لوضع حد لهذه المآسي من خلال تدريب أعضاء الهيئة وتأهيلهم تأهيلاً علمياً بأفضل المهارات وأكثرها تحضّراً ورُقياً في كيفية التعامل مع المواقف المختلفة قبل السماح لهم بنزول ميدان العمل.