ربما لم يكن الخلل في صورة أمين منطقة الرياض منشغلاً بجواله، مزداناً بمشلحه الجميل، متبوعاً بجندي حراسة يحمل مظلة تحميه من حرارة الشمس، ولا أن الصورة حملت ازدراء الناس وسخطهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وتهكمهم أن المشهد أعاد زمن الباشوية في الدولة العثمانية، ولا التبرير لاحقاً بعفوية تصرف الحارس الذي صار حامل مظلة، بل إن المشهد الذي التقطته الكاميرا، هو نقطة في بحر من السلوكيات التي يستلذ بها أصحاب الشأن والجاه، ليس في مؤسسات الدولة فحسب، بل حتى في القطاع الخاص، باستعباد الموظفين الصغار، لأداء مهام لا تدخل إطلاقاً في صميم واجباتهم.
قد يكون السلوك عفوياً كما أكد معالي الأمين، لكن الحادثة ستكشف له حتماً أنه جاء في زمن الإعلام الجديد والحرّ، الإعلام الذي تقوده ضغطة زر، ويمر فوق الهواء دونما رقابة أو تمحيص، ولن يكون هو أقل حظاً من الرئيس أوباما الذي أقام الإعلام الأمريكي ولم يقعده، حينما قتل ذبابة طائشة أمام الكاميرا، وعلى الهواء مباشرة، لذلك عليه أن يكون حذراً ومتنبهاً، ومنصرفاً إلى تطوير المدينة التي نشترك جميعاً في حبها والشغف بها.
أحياناً أفكّر لماذا يتحوّل الإنسان بشكل فجائي حينما يمتلك سلطة المنصب، لماذا يحتاج إلى من يحمل عنه الحقيبة والمشلح؟ لماذا يحتاج إلى من يسبقه كي يفتح له الباب أو يغلقه؟ لماذا يفعل أو يقبل بتلك المظاهر والسلوكيات، ما لم يكن مريضاً أو كبيراً في السن؟
كم نشعر بالإجلال والفخر حينما نقابل شخصاً ذا مكانة، لكنه متواضع بشكل يخجلنا، وكم نخجل حينما نقابل شخصاً يستلذ بمذلة الناس من حوله، كم نخجل حينما نرى إنساناً مسناً يرضى بأن تنتهك كرامته لأجل لقمة عيشه!
صحيح أن هناك من يستمتع بالقيام بمثل هذه الخدمات، إما تقديراً للشخص ذي المكانة وحباً له، أو تزلفاً وبحثاً عن مكاسب وظيفية، لكنني أعرف رجالاً يخجلون ممن يقدم لهم مثل هذه الأفعال، فينهونهم، بل أحياناً ينهرونهم برفق، كي لا يكرر أحدهم مثل ذلك، وأذكر إحدى الشخصيات النبيلة، كيف كان يمازح رجلاً مسناً يصب القهوة له واقفاً، وكأنما كان يشعر بتأنيب الضمير، أن حكمت الأقدار أن يجلس في مكتب وثير، وهو الأصغر سناً، بينما من هو في سن والده يقف على قدميه، يسكب له الفنجان تلو الفنجان، إلى أن أمره بأن يضع القهوة ويذهب إلى عمله.
لدي ثقة كبيرة، بأن الإنسان كلما كان متفوقاً ومبدعاً في مجاله، وواثقاً من نفسه، كان أكثر تواضعاً، وأكثر دماثة وطيبة، وأحسن خلقاً، وهذا الأمر لا يرتبط بالموظفين وأصحاب المكانة، بل بالمشاهير أيضاً من ممثلين وفنانين ولاعبين وكتّاب وغيرهم. أذكر أن ممثلاً صغيراً ظهر لدقائق معدودة في إحدى حلقات مسلسل «طاش ما طاش» وأصبح يردد للمقربين من حوله، أنه أصبح لا يستطيع الخروج إلى الأماكن العامة، بسبب تهافت المعجبين والمعجبات من حوله... يا ساتر!
كل ما نحلم به يا سادة، هو أن يشعر كل موظف، كبيراً كان أم صغيراً، بأنه جاء إلى المنصب كي يخدم الآخرين، لا ليخدموه!