ميزة (الفن) أنه غير قابل للتسييس أو الاحتكار أو التحزب، فلا وجود للفن في المناطق الطائفية والمذهبية والحزبية, وهو لا يقبل مطلقا أن يكون بوقا أو عصا أو درسا, لهذا تراه (يتلاشى) فورا عندما يدخلونه عنوة في هذه المناطق, يرفض، يختنق، يموت.
الفن ثيمة مدنية / إنسانية, ولد ليكون مستقلا لا جنسية له ولا مذهب، ولد ليعطي معنى الجمال للحياة، ليرتقي بالذوق العام ويضعه في مصاف الضرورات، يحتاجه الجسد كما يحتاج الماء والهواء والأكل, وإلا ماذا يعني الجهد الذي نبذله دوما في تنسيق الجمال في منازلنا وملبسنا ومشربنا وشوارعنا وصالاتنا ؟!!
الدراما واحدة من الفنون العظيمة شرحها أرسطو في كتابه (فن الشعر) بشكل دقيق، وأصل لها وقعدها وقننها ووضحها وبينها وشرحها وفصل القول فيها بصورة لا تسأل بعدها، ولكننا أمة لا تقرأ، تعرف ذلك عندما ترى صراعا حاميا بين ديانة البطل، هل هو مسيحي أو مسلم (سني)؟ هل هو عربيد أم وافي الأخلاق؟ هل هو عربي أم إفرنجي؟
في حين لا يسأل أحد عن المستويات الفنية في المسلسل !! النص، الشخصيات، الأحداث، الإخراج، الإضاءة، الأداء، المنطق الفني, فمعظم الأسئلة تدور حول المستويات الحزبية، والمذهبية، ويضيع المسلسل بين مؤيد ومعارض يذهب بالأفكار بعيدا ويغيب مقاصد الفن ورسالته الجمالية / الكونية.
ولا عجب حينها عندما نقول إن نظرية الدراما نبعت من أرسطو وتجملت في فرنسا وطورت في بريطانيا وسوقت في أمريكا وماتت في العالم العربي، وستموت أكثر وأكثر، طالما العالم العربي تلقاها وفقا لثقافته وتقاليده ومذاهبه، ولم يتلق النظرية كما هي وفقا لشروطها الفنية.
الدراما ليست جزءا من تاريخنا، وليست جزءا من مناهجنا الدراسية، وليس لدينا تراكم فني على مر العصور، وينظر البعض للفن بعين الريبة !! وفقا لتصورات منطبعة في ذهنه, قياسا على بعض الإنحلال الأخلاقي في بعض الأعمال الدرامية، وهذا لا يمثل الدراما ولا الفن، لا هذا هو ذاك, ولا يمكن لأحد واع يعد الإنحلال فنا، فقليلا من التمييز حتى نبصر الفن بكل تجلياته الجمالية ومنطقه الفني المنتظم.
nlp1975@gmail.com