لم يكن أحد يتوقع أن يتم اختراق نظام الأسد هذا الاختراق الفاضح، ويصل الثوار أو غيرهم إلى اغتيال صفوة النظام. هذا الاختراق لا يشير في رأيي إلى قدرات خارقة لمن قام بالتخطيط ومن ثم التنفيذ بقدر ما يشير إلى أن النظام أصبح متهالكاً، وجداره الأمني الذي كان فولاذياً في الماضي أصبح هشاً ومهترئاً إلى درجة أن يتم اصطياد هذا الكم الكبير من أهم رموزه في عملية تفجير واحدة.
الوضع على ما يبدو كان جاهزاً للاختراق؛ فمن كانوا يتولون مسؤولية الحماية الأمنية شعروا أنهم سيكونون مستهدفين إذا ما سقط النظام، وأن السقوط أصبح حتمياً، وبالتالي لا بد أن تصلهم يد المساءلة والعقاب إذا لم يتدبّروا أمورهم مبكراً، ويقيمون علاقات بالثوار، تكون دالة لهم للإفلات من المساءلة بعد السقوط، لذلك تم الاختراق بتواطؤ مُدبّر من المسؤولين الأمنيين للسلطات العليا، وتم تنفيذ العملية بهذا القدر المُبهر من النجاح.
وأياً كان الاحتمال الأقرب، فإن النظام هو الآن قاب قوسين أو أدنى من السقوط، فالقضية أصبحت متى وليست كيف؛ فمثل هذه الأنظمة الأمنية الشمولية كهذا النظام أو نظام القذافي، يصمد في البداية بقوة، ويُقاوم بشراسة وعناد، لكنَّ سقوطه عندما يبدأ في مرحلة التداعي يكون متسارعاً وبشكل غير متوقع كما حصل للعقيد القذافي الذي انهار في النهاية أسرع مما كنا نتوقع.
الأنباء الآن متضاربة حول مكان بشار الأسد، فهناك من يؤكد أنه مازال في (مكان ما) في دمشق غير القصر الجمهوري الذي أصبح غير آمن.
وآخرون يؤكدون أنه فرّ إلى جبال العلويين قرب اللاذقية.
وهناك أخبار أخرى تذهب إلى أن الاختراق الأمني الأخير جعله لا يثق بكل من حوله، ولجأ إلى القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس فهي الحصن الأوفر أمناً بالنسبة إليه، وأن ظهوره التلفزيوني الوحيد بعد الحدث مع وزير الدفاع الجديد حين أدى القسم كان من هناك، أو قبيل أن يشد رحاله إلى هناك.
والسؤال الآن ليس سقوط بشار الذي أصبح حتمياً، وإنما ما هي تداعيات السقوط على سوريا وكذلك لبنان والمنطقة؟؛ فهل ستكون الاحتقانات الطائفية التي خلّفها النظام وبالذات في السنة الأخيرة من حكمه إيذاناً لإشعال حرب طائفية داخل سوريا، تنتهي بتشرذم سوريا وتفتتها كما يرجح كثيرون، أم سيتم السيطرة على الوضع ويتم إخماد الحريق بتنحي الأسد، ويُمنع تجزئة سوريا إلى عدة دويلات؟ ثم ماذا ستكون عليه أوضاع حلفاء النظام في لبنان، خاصة حزب الله وحركة أمل والجنرال عون؛ هل سيلجؤون إلى إشعال حرب طائفية للإفلات من استحقاقات مرحلة ما بعد سقوط الأسد، أم أن معركة سقوط الأسد، التي كانت طويلة نسبياً ولم تكن مفاجئة، مكّنتهم من تدبّر أمورهم للتماهي مع ظروف ما بعد السقوط بشكل يجعلهم قادرين على البقاء دون دعم الأسد ونظامه؟..
أيضاً ماذا عن إيران التي ظلت تُراهن على النظام السوري واستثمرت فيه، ومن خلاله، مليارات الدولارات، وها هي ترى كل استثماراتها على وشك أن تتحول إلى العدم، وتعود من رهاناتها وخططها وأحلامها التوسعية بخفي حنين، فهل ستستكين للخسارة، أم ستبحث عن ثمن حتى وإن اضطرت إلى أسنة الرماح.
كل هذه الأسئلة تجعل مرحلة ما بعد الأسد تكتنفها مخاطر كبرى لا يعلم أحد على وجه الدقة إلى أين ستأخذ سوريا والمنطقة.
إلى اللقاء.