يرتجف العالم اليوم، وربما لسنوات طويلة قادمة، بين الجنون العقائدي - البراغماتي الذي يتخبّط في أتونه تحالف طهران وموسكو، والجنون العسكري الوحشي الذي يُغرق فيه نظام بشار الأسد سورية، انطلاقا من دمشق إلى جبل العلويين، على
الساحل السوري، ناهيك عن الجنون الآيديولوجي المذهبي والإستراتيجي، الذي يُزلزل المنطقة برمّتها.
خبير روسي، مُعارض لفلاديمير بوتين، انضمّ، مؤخرا، مستشارا لبعثة دولة أوروبية إلى الأمم المتحدة في نيويورك، يتساءل، بجدّية مُلفتة، عما إذا كان الذي يجري هو حرب أهلية باردة - ساخنة على ساحة الشرق الأوسط، أم هي الحرب الإقليمية الباردة، أم هي بداية نُذر الحرب العالمية الثالثة، انطلاقا من جبل العلويين في سورية، ما أفرز هذا التشنّج القتالي الحادّ بين مختلف وفود الدول، في أروقة الأمم المتحدة؟.
يُفاجئك هذا الخبير الروسي بالقول: روسيا اليوم، كما كان يُقال عن موسوليني، قبل عقود، بقايا دولة ذات شهية هائلة، وفم ضخم بشساعة العالم، ولكن بلا أنياب وبأسنان مُهترئة.
لم يستغرب الخبير الروسي زيارة بوتين إلى إسرائيل، في 25 حزيران / يونيو الماضي، يرافقه وفد رفيع المستوى يتجاوز عدد أعضائه 350 شخصا.
قال هذا الخبير إن بوتين زار إسرائيل لتتوسّط له لدى إدارة أوباما علّها تُقنعها بإعادة روسيا إلى مجدها السوفياتي الآفل، وتُعامِلُها معاملة الندّ للندّ، وتفرض على حلفاء أمريكا أن يعودوا إلى التعامل مع بوتين كرئيس لدولة عظمى تلعب مع واشنطن دور مُحرك شؤون العالم.
و لفت إلى أن بوتين، في هذا السياق، أراد أن يُوجّه رسالة إلى واشنطن بإبراز الدور الروسي في الشرق الأوسط، على خلفية التطورات والتغييرات التي تعيشها المنطقة بشكل عام، وسورية بشكل خاص. فروسيا الساعية، لدى تل أبيب وواشنطن، ليكون لها دور مُتجدد في السياسة الدولية والإقليمية لا تعتمد، ولن تعتمد، على وضعها المُتضعضع عند الرأي العام العربي، إنما تعلّق أهمية أساسية على العلاقة مع إسرائيل، التي تعتبرها الممرّ الطبيعي إلى واشنطن.
يُعيد الخبير الروسي إلى الأذهان أن روسيا المتخلفة تكنولوجيا اشترت العام 2009 15 طائرة (من دون طيار) إسرائيلية. وبعدما أخفقت في تصنيع هذه الطائرات، عرضت على إسرائيل إقامة شركة مشتركة بينهما لتصنيع أصناف متطورة من الطائرات بدون طيار، تشتري منها روسيا مائة طائرة، على الأقل، في المرحلة الأولى من التصنيع.
لكن على إسرائيل، قبل الموافقة على العرض الروسي، أن تنال موافقة وزارة الدفاع الأمريكية، وهذا ما لن يحصل، لأن إدارة أوباما لا تُعير محاولات موسكو العودة إلى مجدها السوفياتي السابق، أي اهتمام.
لذلك - يُتابع الخبير الروسي - بادر بوتين، ليُدغدغ مشاعر الإسرائيليين والأمريكيين معا، فأعلن قبيل مغادرته تل أبيب: «إن المنطقة التي تعيش فيها إسرائيل تؤثر، بشكل كبير، على المجتمع الدولي، وثمة مصلحة قومية روسية في ضمان الأمن والاستقرار لإسرائيل».
وعن المسألة السورية، أجمل الخبير الروسي مباحثات بوتين مع الزعماء الإسرائيليين بأنه استعرض معهم أهمية قيام دولة علوية في سورية لمصلحة الأمن الإسرائيلي، إذا ما فشل النظام السوري في القضاء على الثورة، كما أبلغهم أن بشار الأسد مضطر لسحب النسبة العظمى من قوات الجيش السوري المرابطة في الجولان على الحدود مع إسرائيل، لنقلها إلى دمشق وضواحيها.
أصرّ الخبير الروسي، المناوئ للقيصر بوتين، على القول إن بوتين الذي ترعرع وشبّ في الغرف السوداء (أي الاستخبارات السوفياتية كيه جي بي)، لا يرى في الكرة الأرضية سوى غرف سوداء.
ذهب القيصر بوتين إلى تل أبيب لا ليستعيد الذاكرة الأرثوذكسية المسيحية، وهي حاضرة هناك بقوة، عبر مليون ونصف المليون روسي يهودي في إسرائيل، بل ليُسرّ في أذن بنيامين نتنياهو بأن العرب السنة سيجرونكم إلى المجهول.
يُصرّ الخبير الروسي على أن مصلحة موسكو تتقاطع مع مصلحة تل أبيب في التصدّي لما يُسميه بوتين ونتنياهو، في الآن معا، بـ «التسونامي» الإسلامي السني، الذي يُحيط بالمنطقة، بل وبما هو أبعد من المنطقة، وصولا إلى روسيا، إلى أعماق روسيا.
وإذ يُسأل الخبير الروسي: إلى متى يستمرّ العالم يرتجف، مذعورا، نتيجة زلازل ما يجري في المنطقة؟.
يُجيب فورا: إلى سنوات طوال، إذا ما استمرّ عبث تحالف البوتينية مع ولاية الفقيه في طهران والعراق ولبنان وسورية وإسرائيل.
Zuhdi.alfateh@gmail.comنيويورك