ما فتئ الخيرون في الأمة يدعون الناس لاغتنام روحانية شهر رمضان بما يحمله من مُثل وقيم عليا تدعو لها تعاليم الإسلام السامية من خلال الآيات البينات التي نزلت بهذا الشأن.
وحين فرض الله ركن الصوم فإنه ضمّنه معانٍ عديدة من الإيمان والصبر والجلد في مواجهة العطش الشديد والجوع الموهن.. حيث يمر شهر رمضان في دورته خلال جيل واحد بجميع فصول السنة من صيف وشتاء وربيع وخريف طيلة ثلاثة وثلاثين عاماً هي الدورة الكاملة له.
ولن أرتدي معطف الناصح لأطالب بعودة الروحانية العميقة لهذا الشهر وهو مطلب شرعي ونبيل، ولكني أعجب من استمراء أغلب الناس السهر حتى طلوع الفجر والنوم بعده والاستيقاظ مع انطلاق آذان المغرب مؤذناً بالإفطار مما يفقد هذا الشهر هدفه ومضامينه برغم صحة الصوم.
وفي كل عام ينشط المستثمرون بكافة أطيافهم واتجاهاتهم وأنواع تجارتهم بجر الناس نحو الاستهلاك المتلف للوقت والمال والصحة.. وأصبح من المألوف إقامة الزيارات الرمضانية ودعوات الأكل والتفنن في الموائد عند الإفطار بدلاً من الانضمام العائلي حول بعضهم، ومن ثم القيام بأعمالهم المنزلية بعد تناول الوجبة للقدرة على النهوض به.. وبات من المتعارف عليه استئجار خادمة أو اثنتين بألوف الريالات للقيام بالأعباء المنزلية المنهكة، وهي كذلك في ظل هذا الإسراف في بسط الموائد حتى تحول معنى شهر (رمضان كريم) لتخفيفه المؤونة على الناس إلى (رمضان موجع) بزيادة مصاريفه وتعبه!!
وما انفك الأطباء يفسرون مضامين رمضان ويقرنونها بالصحة، وأن الجسد بحاجة إلى الراحة مدة شهر كامل لتسترد الأعضاء عافيتها وتخف ماكينة المعدة عن الطحن، بل إن دراسة أخيرة أفادت باستخدام الصيام في علاج بعض الأمراض التي تصيب المخ والمتعلقة بالأوعية الدموية كالزهايمر والشلل الرعاش، وأن الصيام يخفض السعرات الحرارية، مما يزيد من مقدار الخلايا العصبية التي تنشط الأعصاب، ودوره في الوقاية من بعض أمراض السرطان، فله نفس قدر العلاج الكيماوي لسرطان الثدي والجلد والمخ حيث يساعد على بطء نمو الأورام السرطانية. إلا أن المعنى تغير تماماً حيث تزداد في رمضان التخمة، ويكثر مراجعو العيادات الهضمية، ويشكوا كثير منهم من الكدر والكآبة لاختلاف مواعيد النوم وتنوع الطعام وكثرة الدهون والحلويات والمنكهات.
ولأن الأمر بحاجة لمزيد من استشعار هذه الشعيرة العظيمة التي تحمل أبعاداً محسوسة وغير محسوسة؛ فإنه يحسن بالمسلمين تطبيق معاني الإسلام الباهرة التي فرضها الله عليهم لمصلحتهم وليكسبوا بها الأجر ويرفع عنهم العذاب.
أما أن يكون رمضان شهر النهم والأكل والنوم والفوضى فحسب! فهذا لا يليق بالإنسانية التي كرمها الله عن الحيوانات، فكيف بالمسلمين الذين يعيشون سنوياً شهراً عظيماً هو أقرب للخير والتقوى والورع والإيمان العميق والصبر الجميل واستعذاب العبادة بالصلاة والتسبيح والنفقة وكف الأذى؟!.
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny