تعد عملية التعلم من العمليات الاستثمارية الأعلى قيمة، والأكثر أهمية من بين أوجه الاستثمار الأخرى، ومسوغ هذا ليس بحاجة إلى دليل أو برهان، يكفي أن عملية التعلم تتعامل مع الإنسان، والإنسان هو المكرم من بين مخلوقات الله، وعمليات التعلم تتعامل مع أعز ما في الإنسان قدرا، وأعلى مكانة، وأهم ما يعلي فيه سمته الإنسانية والبشرية، ألا وهو العقل، العقل زينة الإنسان ومصدر تفوقه ونجاحه.
إن الاستثمار في الإنسان يعد أشرف مجالات الاستثمار وأكثرها أهمية وقيمة، يذكر مدير جامعة طوكيو خلال لقائه مع فريق من منسوبي وزارة التربية والتعليم قام بجولة تعليمية في اليابان عام 1998م، يذكر أنه تمت متابعة الأثر القيمي لمبلغين من المال، أحدهما خصص لإحدى الجامعات، والآخر خصص لمجال تجاري، تبين بعد عشر سنوات من المتابعة أن المبلغ المالي الذي صرف على الجامعة حقق عوائد ذات قيمة أكبر على الاقتصاد الوطني من قيمة المبلغ الذي صرف على المجال التجاري، النتيجة مفهومة ومتوقعة بل تؤكد المسلمة التي يكثر ترديدها، وهي أن الاستثمار في التعليم استثمار في المستقبل، وأنه يجب أن يحظى بأولوية على مجالات الاستثمار كافة، لهذا فمن البدهي أن ينظر إلى الاستثمار في التعليم باعتباره أحد الروافد الرئيسة لتنمية الاقتصاد وازدهاره، وبالتالي تذليل العقبات التي تعترض مسيرته والتوسع في مشاركته في تحمل أعباء التعليم عن الدولة.
ومن بدهيات القول ونوافله، أن القائم على عملية الاستثمار أيا كان نوع الاستثمار ومجاله، بدهي أن يولي المستثمر نشاطه الاستثماري كل جهده وعنايته وحرصه واهتمامه، ويطبق لتجويده أعلى معايير الجودة وشروطها، والكفاءة وضوابطها، من أجل أن يحقق أعلى درجات الربح والنجاح في المجال الذي يستثمر فيه، فهو يعنى بمدخلات الاستثمار ويتابع عملياته، أملا في الفوز بمنتج ينافس به، منتج متمكن في جوهره ومظهره، يمكن أن يباهي به ويفاخر بين أوجه الاستثمار المشابهة المنافسة بكل ثقة وإيمان .
وانطلاقا من هذه المسلمة المنطقية، لن يلام مستثمر عندما يتطلع إلى الأكفأ، ويتشدد في ضبط مدخلات نشاطه الاستثماري، ويراقب عملياته وفق أدوات محكمة، ومنهجيات معلنة، لأن أي تراخ أو غفلة ستفضي بنشاطه إلى وضع كارثي يخرجه من دائرة المنافسة، فضلا عن أن يحقق نتائج يوثق بقدرتها على صناعة الأفضل والأجود، فعندما يتخلى المستثمر عن هذا الجهد الذي يعد من لوازم نجاحه، فإنه حتما سيكرس الفشل، عندئذ يتعذر عليه الإصلاح مهما بذل من جهد أو صرف من مال.
لهذه الاعتبارات المنطقية، من حق المستثمر في التعليم الأهلي أن يختار الأكفأ والأقدر من المعلمين الموجودين عنده، الأكفأ في قدراته العلمية والتربوية، أو الذين يتقدمون بطلب التوظيف، وهذا حق تفرضه أمانة الاستثمار في العقول، وأخلاقيات مهنة التعليم، بل إن المستثمر يخون أمانته ويفرط في استثماره إن لم يول هذا الأمر أولوية مطلقة، المعلم هو فارس الموقف التعليمي، وكلما كان متمكنا في علمه وطرائقه التربوية داخل الصف وخارجه، كلما حقق مخرجات تعليمية متمكنة قادرة على تحقيق النجاح والمنافسة فيه.
لهذا لماذا يلام المستثمر في التعليم الأهلي عندما ينهي عقد معلم أو معلمة لأسباب مهنية ؟، إن طبيعة هذا المجال المهنية والاستثمارية تكفل له هذا الحق، بل توجبه عليه، لهذا لا ضير أن يبحث عن الأكفأ والأقدر من بين المعلمين الذين هم على رأس العمل أو الذين يتقدمون إليه .
ليعلم الممتعظون من إنهاء عقود المعلمين والمعلمات في المدارس الأهلية أن الإنهاء يتم وفق تسويغات مهنية، وليعلموا كذلك أن من حق الطلاب في أي مدرسة أن يكون من يعلمهم على درجة عالية من الكفاءة والاقتدار العلمي والتربوي.