حلَّ علينا هذا اليوم ضيف كريم يحمل الخير والبركات والأجور والحسنات، فطوبى لمن أكرم وفادته بالعمل الصالح والتقرب إلى الله بصالح العبادات والطاعات، وابتعد عن المعاصي والمنكرات وسائر المخالفات و»شهر رمضان» هذا الوافد الكريم شهر القرآن نزلت فيه أولى الآيات على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفيه ليلة عظيمة هي ليلة القدر التي أخبرنا الله - عزَّ وجلَّ - أنها «خير من ألف شهر» فهنيئاً لمن أدركها، وتقبل منه، وكتب فيها أنه من الصالحين.
وبمناسبة هذا الشهر الكريم المبارك شهر القرآن الكريم فإننا نلمس ونرى ونسمع ولله الحمد إقبالاً من الجميع على تلاوة كتاب الله الكريم في المساجد وفي المنازل، بل وحتى في العمل ومع التقنية الحديثة في أجهزة الحواسيب الكفية الصغيرة أصبح بإمكان الإنسان قراءة القرآن، وهو ينتظر موعده عند الطبيب، أو عند إنهاء إجراءات معاملاته في الدوائر الحكومية أو الخاصة وذلك من نعمة الله سبحانه وتعالى وهو حجة علينا وليس لنا، فلماذا نهجر القرآن الكريم، وفد توافر بين أيدينا وسائل القراءة في أي وقت وفي أي مكان طاهر مبارك، ولم يعد حمل المصحف ضرورة وقد توافرت هذه الأجهزة الصغيرة الحجم العظيمة الفائدة إن استغلت الاستغلال الأمثل.
وبهذه المناسبة مناسبة دخول شهر رمضان المبارك واتجاه كثير من الناس لتلاوة القرآن الكريم نلحظ مع الأسف أن كثيراً من الناس إلا من رحم ربي لا يحسنون تلاوة القرآن الكريم، وقد توفرت أجهزة القراءة والسماع في آن واحد فيمكن أن يردد القارئ مع أي من القراء، وأمامه المصحف حتى يضبط تلاوته، وأمر آخر، هناك من يقرأ القرآن الكريم قراءة سريعة، ويهذه هذا من أجل أن يختم القرآن بسرعة، ويقف عند ذلك، أو يختمه أكثر من مرة، ولكن بدون تدبر وتمعن، وفريق آخر سواء قرأ القرآن بسرعة أو ببطء فهو لا يتقن القراءة ولا يتدبر المعاني، وهم وإن حصلوا على بركة قراءة القرآن الكريم فقد حرموا بركات أخرى، ولم يحصلوا على الفائدة العظيمة التي بيّن الله عزَّ وجلَّ فيها هذا الأمر قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}، فهؤلاء الذين يتلون القرآن الكريم دونما تدبر وفهم لمعاني الآيات لن تخشع عندهم الجوارح، ولن ترق قلوبهم إذا لم يفهموا المقصود من الآيات، ويعلموا ما فيها من معاني وأحكام وغايات، ومن نِعم الله سبحانه وتعالى علينا في هذا الزمن أن هناك العديد من المصاحف التي يرفق بها مختصرات للتفسير كالتفسير الميسر الذي أعده مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة وغيره من مختصرات التفسير التي تعين على التدبر، وفهم المعنى المقصود بالآيات، فكلما قرأ القارئ آية وأراد معرفة معاني الكلمات والمقصود في الآية توقف للحظة، ثم اتجه للتفسير الخاص بها في الصفحة، وهذا لايتأتى إلا لمن كان له رغبة صادقة ونيّة خالصة ورغبة أكيدة في الاستفادة التامة من كتاب الله عزَّ وجلَّ، ويأتي بالطهارة قبل القراءة وقراءة البسملة والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وحضور القلب والقراءة في مكان في بيوت الله أو تخصيص مكان هادئ في المنزل لا يوجد به ما يشغله عن الذكر والتلاوة، وهذه من الأسباب المعينة على القراءة الطيبة والتدبر والتفاعل مع الآيات أمر مهم خلال القراءة، فإذا مرَّ على آيات الوعيد استعاذ من ذلك، وإذا مر بآيات تحذر أو ترغب وقف عند كل آية، ونظر في نفسه أهو ملتزم بالابتعاد عمَّا حرَّم الله، وهل هو ملتزم أيضاً بما أمر الله به، لقد كانت هذه صفات المؤمنين والتابعين والسلف الصالح بأنهم يتفاعلون مع كتاب الله عزَّ وجلَّ، فالآيات تؤثِّر فيهم وتقوي إيمانهم وتحفزهم. وقدأخبرنا الله عزَّ وجلَّ عن أحوال هؤلاء بقوله عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}، وكذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}. هكذا كان السلف رضوان الله عليهم من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان حتى يومنا هذا إذا انقطعوا لذكر الله وكأنهم في صلاة، وترى أعينهم تفيض من الدمع عند الوعيد، ويستبشرون بفضل الله إذا ما مرّوا على آيات البشائر للمؤمنين، ويسألون الله من فضله.
إن هناك من أقفلت قلوبهم عن ذكر الله عزَّ وجلَّ، حددوه مع كتاب الله عزَّ وجلَّ أنه معجب بصوت القارئ فلان أو فلان، ويستمع للقرآن إعجاباً بالصوت لا بما في هذه التلاوة من آيات وعبر وعظات وأحكام وأخبار، وهناك -نسأل الله العافية- من يؤذيه حتى صوت القرآن الكريم فلا يرغب حتى في استماعه ولربما قال - والعياذ بالله - حينما يرى، أو يسمع من جلس للاستماع للقرآن الكريم «أنحن في عزاء» فهؤلاء قد أظلمت قلوبهم وفسدت. نسأل الله العافية وغفلت عن ذكر الله عزَّ وجلَّ {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.
alomari1420@yahoo.com