عندما أقرأ أرقام ونسب الدخل الوطني والفردي والاستهلاك الفردي والوطني والاستثمار والإنفاق والتضخم أجد أن سعر النفط هو محور الحراك وليس خطط التنمية.
هذا ما نراه في بناء الموازنة المالية السنوية حيث تُبنى على التوقعات لأسعار النفط اعتماداً
على قراءة الاحتمالات المستقبلية للحراك السياسي الدولي وإفرازاته، لكن بناء الخطط التنموية يفترض أنه يسعى لتأسيس واقع محدد ومستهدف، معتمدا على الوافر المحلي لصناعة السبل والوسائل الخادمة، ويحمي مسارها وتأمين نجاحها من خلال نهج استراتيجي يحكم السياسة العامة داخليا وخارجيا، على أن الافتراض شيء والواقع شيء آخر مختلف، وهذا الاختلاف هو كما يقال - بيت القصيد - ولأن الموضوع أكبر وأوسع من أن تستوعبه مساحة مقال فسأختار من هذا الاختلاف جانب الفقر كحالة لا تتناغم والصورة الاقتصادية العامة للوطن، إذ بلغت نسبة الفقر حسب إحصاء وزارة الشئون الاجتماعية (22%) واجهته القيادة بدعوم بلغت المليارات ولا زالت تتصاعد تعبيرا عن رفض القيادة وعدم رضاها لظهور ونمو هذا العوز غير المبرر، ولابد من الاعتراف هنا أن وجود الفقر أمر طبيعي لكن غير الطبيعي أن يتحول إلى ظاهرة، وأعتقد أن ما ينمي حالة الفقر ويوسعها لدينا هو حجم نسبة البطالة التي ترجع في نشأتها ونموها إلى سلبية في خطط التنمية تستوجب الكشف، وفي تقرير كتبه الدكتور محمد السقّا في صحيفة الاقتصادية الاليكترونية وجدت أن الإنفاق الاستثماري لدينا انطلق بشكل واضح في عام 2005م أي قبل ست أو سبع سنوات فقط، وكان متكاسلا ومتأرجحا طيلة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وهو ما يعني تباطؤ وتردد في مشاريع البنية التحتية ومشاريع الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة وتوليد الكهرباء وغيرها، لكن الأدهى من ذلك أنه وبرغم حضور التصاعد في نمو الإنفاق الاستثماري في الآونة الأخيرة إلا أنه لا يشكل إلا نسبة 20% من الناتج الكلي رغم أن حجم الناتج قد تضاعف أضعافا عنه في العقود الماضية والتي كان يحظى فيها الإنفاق الاستثماري بما معدله 23% أي أن التوجه في السابق كان أقوى أو أكبر رغم أن الناتج كان أقل وبكثير، وقد يعود هذا إلى سياسة التحفظ في الإنفاق التي حققت احتياطات مالية للمملكة غير مسبوقة، على أن هذه النسب المتراوحة بين 20 و23% تبقى متدنية ولا تتواءم وحجم الناتج الكلي المعتمد أساسا على النفط، وهو ما يعني الحاجة الماسة لتنويع الإنتاج والدخل الوطني وسرعة الانفلات من سيطرة النفط أو الإنتاج الريعي، ولقد تحدثت في مقالات سابقة بعنوان “البطالة تحتاج إلى تشخيص لا إلى تنفيس” وآخر بعنوان “أثمان الحركة في أرقام الإحصاء” وثالث بعنوان “حركة التطور بين الوطن والإنسان” وكانت جميعها تحول رؤية حقيقة المشكلة ونشأتها، ويبدو لي أن خطط التنمية هي المسئولة عن هذه المشكلة، وإن لم يتم مراجعة سبل ووسائل هذه الخطط في تحقيق الأهداف التي نسعى لها جميعا فسيستمر التصاعد في نمو نسبة البطالة والفقر. وإذا كانت خطط التنمية اهتمت بالأرقام فإنها حصلت على أرقام ونسب جيدة لكنها تجاهلت الإنسان ولا زالت، وهذا ما أظهر صورة اقتصادية قوية لكنها تحمل في خلفيتها بطالة وفقر يتنامى ويصعد، ولا أقدّم جديدا إذا قلت إن المواطن يحتاج إلى وظيفة أكثر من تعويض مؤقت ومشروط ويحتاج إلى وفرة في الخدمات الأساسية أكثر من حاجته للترف الكمالية، نحن اليوم في واقع يحتاج الإنتاج أكثر وبكثير من الاستهلاك، وهذا يتطلب استخدام الإنتاج الريعي في إنفاق استثماري أكبر في المجال الإنتاجي، من خلال إنشاء المصانع الحكومية التي تمتص الأيدي العاملة والمتعطشة للعمل دون الالتفات إلى الربحية المادية وإنما لاستهداف الاستثمار في الإنسان الباقي بدلا من المورد الناضب.
إن ما يدفع لإعانة العاطلين عن العمل (حافز وصندوق الموارد) هي أموال غير منتجة بل هي صرف استهلاكي، وما يدفع لمواجهة الفقر هي إعانات وليست حلولا، ولو أنشأنا بها مصانع أو مهنا لأنتجت أموالا وعقولا، وإذا كانت خطط التنمية قد راهنت على القطاع الخاص لهذه المهام فقد ظهر وبان الآن أن هذا الرهان خاطئ، القطاع الخاص يبحث عن الأموال والوطن يبحث عن الرجال.
لا أقصد بالرجال قصراً على الذكور بل الإناث والذكور.
Hassan-Alyemni@hotmail.comTwitter: @HassanAlyemni