يعتقد البعض أن ممارسة الدولة لأحد حقوقها السيادية بقيام أجهزتها الأمنية إلقاء القبض على أحد مواطنيها المختلف مذهبياً، قد يُعرّضها لموجة اتهام بـ(الطائفية)، أو التشكيك بحياديتها المذهبية في شؤون الدولة وأدوار مؤسساتها المدنية وأجهزتها الأمنية والعسكرية...
...وهذا اعتقاد خاطئ، لأن مفهوم الدولة الحديثة اليوم مرتبط بـ(المواطنة) أساساً للتعامل مع جميع المواطنين في الحقوق والواجبات والفرص، الذي يلغي الفروق المذهبية، كما يلغي التباينات الدينية، والاختلافات العرقية في أغلب دول العالم.
فإلقاء القبض على (يهودي) في اليمن ارتكب جرماً لا يعني أن حكومة اليمن تعادي السامية أو تحارب اليهود! وإلقاء القبض على (قبطي) في مصر تجاوز النظام لا يعني أن الحكومة المصرية تكره المسيحيين! وإلقاء القبض على (صابئ) في العراق لم يلتزم بالقانون لا يعني أن الحكومة العراقية تضطهد طائفة الصابئة، وقس على ذلك بالنسبة للمذاهب أو الأعراق. بدلالة أن حكومة تركيا وهي حكومة ديمقراطية ومتحضرة ومنتخبة لها علاقات جيدة مع أكراد العراق وسوريا، مع ذلك تلاحق حزب العمال الكردستاني، لأنه يُهدد الوحدة الوطنية التركية ويقوم بأعمال عنف وإرهاب بحجة المطالبات السياسية.
ذلك الاعتقاد السياسي السلبي أو القلق الفكري غير المبرر يجعل بعض المثقفين متردداً في التعليق على حادثة اعتقال أحد المواطنين ممن يختلف معه مذهبياً خوفاً أن يقع في دائرة الطائفية، عندما ُيؤيد الاعتقال أو ُيدين المعتقل، كونه يؤمن أن (الطائفية) تعد من أبرز السمات الممقوتة لدى المثقفين عموماً، وتقدح في مستوى تحضرهم، رغم أن ذلك المعتقل يعتبر من مثيري الفتن ودعاة العنف، بل هو بذاته من يمارس الطائفية بأبشع صورها. وهو ما حدث عند اعتقال نمر النمر. وعليه فقلم المثقف مطلوب في هذه الحالات ليس دفعاً عن الدولة وأجهزتها الأمنية بقدر ما هو دفاعاً عن الوحدة، التي تهم الجميع والوطن الذي يضم الكل، خاصة ً أن (المواطنة) هي من القيم الحضارية التي طالما دعا وكتب عنها المثقف على مستوى العالم، بينما الطائفية هي الحكم على الأشخاص المختلفين معك مذهبياً وتقدير مواقفهم من منطلقات مذهبية متطرفة ونوايا مسبقة لا تحكم بعدل وتحفظ لهم فضل.
لذلك ينبغي على كل من يؤمن بالوحدة الوطنية للمملكة، ويهمه أمنها الداخلي أن يقف احتراماً وتأييداً لقيام أجهزتنا الأمنية باعتقال (نمر النمر)، فهذا الإجراء تم مع غيره ممن هدد وحدتنا وحاول زعزعة أمننا، سواء كان سنياً كما حدث أيام الإرهاب (لا أعادها الله)، أو شيعياً، أو إسماعيلياً، أو كان يدعوا لتمزيق صفنا مهما كانت مبرراته الإصلاحية، أو الحقوق الوطنية التي ينادي بها ويطالب بتحقيقها، لأن الغاية مهما كانت شريفة لا يمكن قبولها إلا بوسيلة شريفة! فما بالك بمن استخدم أسوا الوسائل لأخبث الغايات، فهو يريد فصل أحد أقاليمنا عن جسد دولتنا (انشقاق)، ويستدعي دولة أخرى علينا (خيانة)، ويحرض المواطنين من فوق المنابر على الدولة (فتنة)، بل ويتهجم على رموز الدولة أحياء وأموات (سب وشتم).
وخير فعل عقلاء الشيعة الذين استشعروا مسئوليتهم الوطنية ورفضوا أطروحات نمر النمر، ولم يتخندقوا مع الفكر المتطرف والعمل الضال، الذي كان عليه هذا (النمر الكرتوني)، الذي غرّه حلم الدولة وصبرها على خطبه التحريضية وأفعاله المشينة وألفاظه البذيئة، وكأنه لم يقرأ حرفاً واحداً من سير عظماء الأمة الذين يزعم محبتهم والاقتداء بهم، أو يتعظ بغيره ممن سلك دروب الإرهاب وأثار الفتن، فكان مصيره غياهب السجن كي يسلم الناس والدولة من شروره. هذا النمر اعتقد أن صبر الدولة ضُعف وحلمها خوف، دون أن يُدرك أنها تركته لكي ُيحاكم نفسه بنفسه، ويجعل من حوله هم أول من يحاكمه! وعندما حانت لحظة المواجهة وأيقن أن يد الدولة رفعت تنشد الحق لتطبيق العدل في المحرضين ودعاة الفتن حاول الفرار! فهل يرضى المثقف أن يسكت على أفعال رجل خارج على القانون ويهدد وحدتنا الوطنية بحجة الخوف من الاتهام بالطائفية؟ رغم أن العقلاء من مذهبه أدانوا هذه الأفعال لأنهم يدركون الفرق الكبير بين الوطنية والطائفية.
kanaan999@hotmail.comتويتر @moh_alkanaan