لا أعتقد أن اثنين سيتجادلان عن قضية التناقضات التي يعيشها مجتمعنا، فنحن مجتمع قدِّر له أن يعايشها كل يوم، ومع أنها تناقضات تستعصي على الفهم، إلا أن الكثير منّا ألفها حتى أصبحت جزءاً من خصوصيتنا التي تتحدث عنها الركبان، فعندنا فقط، تبيع المرأة الأرملة المعدمة بضاعتها على الرجال في ناصية الطريق، تحت حر الشمس اللاهب صيفاً، والزمهرير شتاءً دون إنكار من أحد، في الوقت الذي ينكرون عليها ذات العمل داخل المحلات الباردة، مع أنها إذا فعلت ذلك تكون قد حلَّت محل شاب أجنبي يبيع على النساء أدق خصوصياتهن، دون إنكار من أحد، وكل هذا يتم لأنها «جوهرة مصونة» كما يرددون.
وعندنا فقط تدفع رسوماً عالية لتدريس أبنائك في مدارس خاصة، ثم يتلقون تعليمهم من قبل المتردية والنطيحة، والذين يتم التعاقد معهم من قِبل تجار التعليم، بذات الطريقة التي يتعاقدون بها مع أصحاب المهن الحرفية، وفقط هنا يستطيع الثري، والذي يقضي إجازاته السنوية في أكثر من عاصمة باردة، أن يتعالج بالمجان في أرقى المستشفيات الحكومية دون عناء، في الوقت الذي يضطر الفقير إلى كتابة المعاريض واستجداء الوساطات لعله يحصل على علاج ولو بعد حين، هذا إذا كان محظوظاً، وفي ذات السياق يزاحم الثري أبناء الفقراء للحصول على قبول بإحدى الجامعات، مع أنه بإمكانه أن يتكفّل بتعليم ابنه في أرقى الجامعات دون عناء يُذكر.
وهنا فقط يغفر الناس أعظم الزلات لفئة بعينها، حتى لو وصل الأمر درجة ارتكاب ناقض من نواقض الإسلام، ويهبون هبة رجل واحد للانتقام من فئة أخرى فيما لو ارتكبت إحدى الصغائر. وعندنا فقط تركب المرأة وحدها مع سائق ليموزين أجنبي فلا ينكر عليها أحد، ولكن ذات المرأة قد تتعرض للاتهام فيما لو فعلت ذات الشيء مع زوجها في سيارته الخاصة، أو داخل مطعم أو مقهى أو ما شابه، وهنا فقط يركب الشاب المراهق في المقعد الأمامي بسيارة الأسرة، وتركب والدته أو حتى جدته في المقعد الخلفي، دون أن يثير ذلك حفيظة أحد، فهل تريدون أن أزيد؟
حسناً، عندنا فقط يستطيع السباك أن يعمل ممرضاً في عيادة خاصة، والكهربائي معلماً في مدرسة خاصة، وقد تجدون نجاراً يعمل كخبير في مجال التقنية، فنحن مصنع يقوم بتدريب أفضل الخبرات، ثم تعود إلى بلادها لتمارس العمل بشكل صحيح، بعد أن تتقنه في مراكز التدريب هنا، وأخيراً، هنا فقط تستطيع أن تضمن الاستمرار في عملك إذا استطعت أن تكون مثالاً للبيورقراطي المتكلس، ومتى ما رغبت في ترك العمل، فحاول أن تظهر شيئاً من الجدية والتميّز، وهنا يجب أن أتوقف قبل أن أتحدث عن المحظور.
فاصلة:» من يسيطر على المنابر.. يسيطر على العقول»..جيم موريسون.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2