لقد فقدت المملكة العربية السعودية بوفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف ابن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- رمزاً من رموزها الشامخة، ومدرسة من مدارس المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله، تخرج منها أجيال في جميع المجالات الدينية والسياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية. وكان -رحمه الله- يرأس عدداً من اللجان، وكان له دور فاعل في توجيهاته وبعد نظره وتحمله الكبير في استقرار الأمن. كان يستمع لمن حوله ثم يتخذ القرار المناسب، إن تحدث للشباب في الجامعات ملَكَ قلوبهم في حديثه وتشجيعه لهم لإكمال دراساتهم الجامعية، واستماعه للمعوقات التي تعترضهم فيوجه بتسهيلها، وإن زار المرضى وأسر الشهداء فإذا بقلبه ينفطر رحمة وشفقة عليهم والتوجيه بإلحاق أبنائهم بالكليات العسكرية وإحلال بعضهم مكان آبائهم الشهداء. وضع سياسة للأمن والقضاء على الإرهاب ستبقى نبراساً يهتدى به. اهتمَّ بالسجناء حسب قضاياهم وحوَّل السجون من دور عقاب إلى دور إصلاح، وشكَّل لجاناً للمناصحة لقناعته بأن القوة وحدها لا تحمي الوطن من بعض الفئات الجاهلة والمغرر بها، فركَّز على الأمن الفكري لأنه الأصل في الإصلاح، وقلل من مدة المحكومية لمن يحفظ شيئاً من القرآن حسب قدراته، فكلما كان الحفظ أكثر قلت مدة المحكومية، فتحول كثير من السجناء إلى رجال صالحين في المساهمة في حلِّ بعض القضايا التي كانت سبباً في سجنهم، وشكَّل لجاناً لبحث ظروف أسر السجناء وتقديم الإعانات لهم وتفريج كربهم، قلب رحيم، وعقلية متفتحة، إن خاطب العلماء والمشايخ فإذا هو واحد منهم لغزارة علمه ومعرفته وأسلوبه المميز. ووقف مع رجال الحسبة مواقف مشرفة وكان سنداً لهم -بعد الله- في كثير من المواقف، كيف لا وهو ناصر سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فجعل لها جائزة باسمه كان لها أثر كبير وملموس في جميع البلاد الإسلامية. هذا قليل من كثير، ولو أردنا الحديث عن مناقبه وسجاياه لطال بنا المقام ولسجلنا سفراً كاملاً، ويكفي أنه دولة في رجل. رحم الله الأمير نايف وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء. وعزاؤنا أن اختير من هو خير خلف لخير سلف، صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز -أمده الله بعونه- وكان اختياره من قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز اختياراً موفقاً، استقبله المواطنون بالبشرى والطمأنينة والارتياح، وهذا من توفيالله أن جعل هذا البلد آمناً مطمئناً بفضله وكرمه ثم بجهود قيادتنا الرشيدة. وما الأمير سلمان بن عبدالعزيز إلا أحد خريجي مدرسة المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- مارس العمل وشارك في اتخاذ القرار والاستقرار الذي تعيشه المملكة العربية السعودية. والأمير سلمان ذو فطنة وذكاء وبُعد نظر لما يحاك حولنا من الداخل والخارج، دقيق الملاحظة، موسوعة في التاريخ وخاصة تاريخ المملكة العربية السعودية، وملمٌ بكل جوانب الحياة السياسية والاجماعية والاقتصادية، إذا تحدث وارتجل شدَّ انتباه الحاضرين بفصاحة بيانه، شديد في موقف الشدة، رحيم في موقف الرحمة. أسس ورأس كثيراً من اللجان والجمعيات والمؤسسات الخيرية والإنسانية المتعددة في أغراضها التي تخدم الوطن والموطن، واهتمَّ بالفقراء والمساكين وذوي الحاجة، وما التطور والتنظيم والحركة الدائبة التي تشهدها مدينة الرياض التي أصبحت تضاهي أكبر العواصم في العالم وصارت حديثاً لكل زائر إلا رمزاً لجهود سموه واهتمامه. وما تكليفه بوزارة الدفاع من قبل إلا لمعرفة خادم الحرمين الشريفين ما يتمتع به سموه من قدرات فذة وخبرة واسعة. وما أشرت إليه من مناقب سموه ما هي إلا قطرة من بحر. فالملك عبدالعزيز -رحمه الله- وضع أساساً قوياً لهذا الكيان الكبير قوي البنيان متماسك الأركان لا تهزه الرياح، وهي العقيدة الإسلامية، وتحكيم شريعة الله، وسار على نهجه أبناؤه البررة الكرام، وسيظلون -إن شاء الله- ظلاً وارفاً على بلادنا، ومعهم شعب يحبهم ويجلهم، عاهدهم على كتاب الله وسنة نبيه، معهم في السراء والضراء يقدمون أنفسهم وأموالهم لخدمة دين الله ثم المليك والوطن. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين.
- مدير عام التعليم سابقا