لسنبلة الفارغة هي التي لا يوجد فيها حب، أو أن فيها حب، لكن حبها « سامط «، أي لم يكتمل النمو، فهو ضعيف البنية، قليل الوزن والقيمة، ولكون حب السنبلة بهذه الصفة الهلامية، والمضمون الفارغ، فإنه لن يجعل السنبلة تنحني، فخفة وزن الحب، وقلة قيمته، من البدهي أن يفقده التأثير، لهذا لا غرو أن تظل هذه السنبلة رافعة الرأس، شاخصة بين الأخريات، واقفة باعتزاز وأنفة وشموخ، وهي بهذا الشموخ الفارغ، والاعتزاز الأجوف، تغر الرائي وتخدعه، وتبدو له في الوهلة الأولى أنها سليمة صحيحة، لكنها في حقيقة الأمر عليلة سقيمة، لا خير فيها، ولا فائدة ترجى منها، إن بقيت بين مثيلاتها فهي بلا فائد، وإن اجتثت من بينهم لن تفقد ولن يؤبه لفقدها، إذ حقيقة الأمر أن شخوص السنابل الفارغة، لن يزيد من قيمتها، ولن يعلي من شأنها، بل سينتهي بها المقام حتما إلى أن تداس بأقدام الحيوانات، أو تقدم طعاما لها ينتهي بها المقام خارج الأحشاء سمادا رخيصا.
السنبلة الفارغة تبدو في الحقل مرفوعة الرأس بين السنابل الأخرى، وهذا لا يعني أنها صحيحة البنية والتكوين، بينما السنبلة الممتلئة تبدو في الحقل منحنية الرأس مثل غالبية السنابل من حولها، وهذا لا يعني أنها سقيمة البنية عليلة التكوين، لم ترتفع الفارغة لقيمة تمتلكها بقدر ما هو تأكيد لضعف في بنيتها، ونقص في تكوينها، ولم تنحن الممتلئة لذلة تعاني منها بقدر ما هو انعكاس لأصالة في بنيتها، وكمال في تكوينها.
وقر في مخزون الخبرة البشرية عامة ـ يبدو أنه في كل الثقافات ـ وقر انطباع متواتر مفاده أن كل شموخ وعلو وارتفاع، يعني الكمال في الصفات، والتمام في السمات، وأن كل انحناء وانخفاض وانكسار، يعني النقص في الصفات، والخلل في السمات، لكن ثبت من شواهد الحياة البشرية أن هذا الانطباع في جملته خاطئ، فليس كل شموخ وعلو يعني أو يدل على الكمال والتمام بصفة عامة، كما أنه ليس كل انحناء وانخفاض يعني أو يدل على النقص والخلل بصفة عامة أيضا، هناك حالات تواتر عنها أن ما تبديه من شموخ مفتعل متكلف ما هو إلا تغطية وتعمية عن حقيقة بشعة من الشعور الداخلي بالنقص والهوان والذلة والخواء، هذا ما تؤكده نظريات علم النفس الإكلينيكي، البعض يعاني من حالة من الاضطراب النفسي، حيث يطغى على صاحب هذه الحال شعور سلبي نحو ذاته، شعور يقدر الذات تقديرا منخفضا، بل ويعدها في منزلة دنيا مقارنة بالآخرين، لهذا ولكي يغطي هذا الشعور ويتغلب عليه يلجأ إلى التعويض، حيث يبحث عن وضع لائق ولو كان مصطنعا يعوض به شعوره الداخلي الذي لم يرتضه تجاه ذاته من دنو ونقص، فالوضع غير اللآئق الذي قدر به ذاته لا يستطيع تحمله، لذا يسعى جاهدا كي يتجاوز التقدير المنخفض لذاته ولو اقتضى الأمر تقمص حالة مزيفة، المهم عنده أن يرى نفسه في مكانة عالية شامخة، على الرغم من علمه المسبق أنها حالة لا تتوافق مع حقيقته، فهي حالة مصطنعة لا أصل لها يسندها، ولا واقع يعززها.
حال هذه الفئة من الناس التي تحيط نفسها بسياج من تضخيم الذات وتقديرها بخلاف واقعها، حالهم تدعو للشفقة والازدراء، حيث لا مقاربة بين ظاهر ما يتسم به أحدهم وحقيقة باطنه، قد يبدو ظاهرهم للرائي براقا مبهجا، لكن الباطن في غاية القبح والسوء، أصدق مثال على هذه الفئة النكرة الذين تملكهم العجب (هتلر) واستحوذ عليهم الكبر (قارون)، هؤلاء استعلوا على الخلق، بعدئذ استعلوا على الحق، الكبر عرفه سيد الخلق بأنه بطر الحق، أي رده، وغمط الناس، أي احتقارهم وازدراؤهم واستصغارهم.
أيها المتكبر ألا تعلم أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ألا تعلم أن الدار الآخرة جعلها الله للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، ألا تعلم أنك ستموت، وسيمرغ رأسك في التراب، تدارك أمرك وتخل عن الدنيا، تطلع إلى الآخرة، علو الآخرة أسما من علو الأرض، درب نفسك وعودها على التواضع وعلى مخالطة الفقراء وذوي الحاجة.