كنت أفتش في القاموس عن كلمة “حجر” فوجدت الآتي:
جاء في القاموس أن الحَجْر: بفتح الحاء مصدر حجر، المنع، والحَجَر: بفتح الحاء والجيم، ج أحجار وحجار وحجارة وأحجر، جسم جامد طبيعي صلب يستعمل في البناء ونحوه، والحجر على السفيه: منعه من أي تصرف لسفهه، الحجر: هو المنع من نفاذ التصرفات القولية بسبب الرق أو نقصان العقل أو سوء التصرف.
أما الحَجْر في الشَّرع: المنْع من التَّصرُّف لصغَرٍ، أو سَفَهٍ، أو جنونٍ.
هذه التعريفات ربما تمر بك أثناء دراستك الجامعية، ولكي نكون أكثر دقة قد لا تمر إلا على المتخصصين في الفقه الإسلامي، لكن المفاجأة الكبرى أن تجد كلمة “حجر” موجودة كمصطلح اجتماعي، يعرفه بعض أبناء القبائل، وهو مصطلح له مفهوم مغاير عما ورد في القاموس، أو ما ورد في التعريف الفقهي، المأساة أن نشبه هذه التعريفات للمصلح والتي هي مرتبطة بالمنع عن التصرف لسفيه أو مجنون، وجعل حياة إنسان حجرا على إنسان آخر، قد تفاجأ عندما تعرف عزيزي القارئ بأن هذا الأمر لا يزال موجوداً لدى بعض القبائل، وهو أن يتم حجر فتاة لابن عمها، وهي بذلك تصبح كالمرهونة، لا تستطيع الزواج من غيره، وهناك حالات عاشت معاناة كبيرة بسبب هذا الأمر، حيث إن بعضهن ممن تم حجرها، لم تتمكن من الزواج، وظلت رهينة له، رغم أنه تزوج من امرأة أخرى من خارج القبيلة، وربما يتزوج الرجل من أي دولة من خارج المملكة وتظل تلك الفتاة حبيسة هذا النظام القبلي - العرفي - الذي لا يشي إلا بمزيد من التخلف والرجعية، ويعيدنا إلى أجواء الجاهلية - ما قبل الإسلام - عندما كانت المرأة تورث، مثلها مثل أي متاع أو مال، إنها مأساة حقيقية أن نكون نعيش القرن الواحد والعشرين وتحولنا إلى الحياة المدنية ونجد مثل هذه الأعراف لا تزال تهيمن على بناتنا - من بنات بعض القبائل - إنها تعد وصمة عار حقيقية، وتعود بنا إلى درجة عالية من التخلف ونحن نعيش الحياة المدنية المعاصرة، فكيف سنصبح دولة مدنية حقيقية في ظل عدد من الضغوط الاجتماعية التي تعيدنا إلى الخلف، وتطعن في حقوق بنات هذا المجتمع، بانتهاكات صارخة لحقوقهن، وهن وصلن إلى أعلى مستويات التعليم، وقدمن أنفسهن وتميزن عربياً وعالمياً في جوانب علمية كثيرة.
إذن الفتاة السعودية تواجه معضلات اجتماعية حقيقية باسم التقاليد والعادات والأعراف التي ديننا الإسلامي منها براء، وقد جاء كي يحرر المرأة من قيودها، ومثال ذلك “الحجر” الذي يعد واحداً من منظومة مشكلات اجتماعية تواجهها المرأة السعودية، الأمر الذي لا يختلف كثيراً عن التصنيف الذي يعيشه أبناء المجتمع الذي يمثل قمة العنصرية، في تصنيف المواطنين إلى مواطن 220 ومواطن 110 وهو الأمر المنبوذ في ديننا الإسلامي، “ كلكم لآدم وآدم من تراب “ ومما قال- صلى الله عليه وسلم- يقول “ دعوها فإنها منتنة “ يقصد التفاخر بالأنساب، فهي من عادات الجاهلية، والدولة السعودية أعزها الله تنبذ هذا الأمر، ولم تجعل تميزاً عنصرياً، ولا طبقياً أو طائفياً بين أبناء المجتمع كلهم في نهاية المطاف مواطنون سعوديون، وإبان نقاشاتنا في مثل هذه القضايا مع بعض الطبقات المثقفة في المجتمع نجد أننا بحاجة - كمجتمع - لوقت طويل حتى نتخلص من مثل هذه التصنيفات المقيتة التي تجر أي مجتمع حديث إلى الخلف، وتجعله غير قادر على الدخول للحياة المدنية بمفهومها الحديث الذي تتطلبه المرحلة الحالية، خاصة وأننا كدولة لسنا مفصولين عن العالم، وبحاجة لأن نواكب التغيرات والتطورات التي يعيشها العالم، حتى نستطيع أن نستوعب الحياة المدنية الحديثة ونواكبها ونتفاعل مع متغيراتها التي تشكل مجتمعات العالم الحديث.
Kald_2345@hotmail.comk-khodare@hotmail.com