بحثت في كل (القواميس) وأجزاء (المنجد) وكتب التفسير والحديث ومعاني الكلمات وغيرها عن تعريف موحد لكلمة (البلاغة)، التي ينتمي لها بالطبع كل (البلغاء) ولا واحد من (الأغبياء). فمن قائل (إن البلاغة) في الإنجاز والإعجاز، ومن قال إنها بلوغ المعنى الكامل بأقصر عبارة، وهناك من يرى إن البلاغة هي (سِحْر الكلام والعناية به وتطريزه وتلوينه بالألوان الجميلة، والصور البديعة، والسجع والموسيقى الراقية). ولأن كلمة (بلاغة) في نظر البعض تعني (إناء المعنى) وثوبه وبروازه فلا بد أن يكون هذا الإناء أو الثوب وحتى البرواز جميلاً بكل مواصفاته المطرزة والملونة والمبروزة؛ ليُقبل عليها الآكلون المعجبون الراغبون، وبالطبع (البلغاء) أو من أراد أن يكون (بليغاً)، أي أن البلاغة كما وصفها المصممون والفنانون والشعراء والغاوون هي: «فستان الفرح للمرأة لتكون عروساً»، وهي أيضاً (مشلح - بشت) للرجل؛ ليشعر بأنه من البلغاء. والبلاغة في بعض الأوقات تأتي للإنسان بوسيلة (عملية تجميل جراحية) للوجه غير الجميل عند صاحبه، أو الصدر المسطح عند المرأة، أو الأنف القصير أو الطويل أو الصغير أو الضخم، وللشفايف الدقيقة أو الغليظة، وللأذن والعين أو أي مكان يحتاج إلى التجميل. وهناك من ينظر للبلاغة على أنها (أغنية جميلة) تُعبِّر عن مشاعر وإحساس أي إنسان، وهي صراع بين (اللفظ والمعنى)، وبين (الكلمة والمعنى) أو (الكلمة والفكرة) بحيث يحتار القارئ والسامع أنهما أو كليهما الأجمل والأصدق. معنى ذلك أن البلاغة هي في (الجمال) أو في (الصدق)، بمعنى (أبلغنا) هو (صديقنا). والبعض يرى في البلاغة كلمة مرادفة للحكمة {.. وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (269) سورة البقرة.
ويُقال إن البلاغة مرادفة للبيان الذي قال عنه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحراً»، وقال: «إن البلاغة صدق القلب وسلامة الصدر وطلاقة اللسان»، وتلك كانت دعوة موسى عليه السلام التي استجاب لها الله عز وجل لها: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي. يَفْقَهُوا قَوْلِي}.
والأغبياء في الواقع ليسوا (بلغاء)، لكنهم يجهدون أنفسهم في البحث عن أسماء جميلة وبراقة لمعادن قبيحة ودميمة حتى كرهوا الكلمات التي كانت جميلة قبل أن يسرفوا في استخدامها ويسموا بها أفعالهم القبيحة، مثل كلمة (الشفافية) و(المكاشفة) و (النزاهة) و(المرونة) والسلام والتعقل والواقعية ومواكبة العصر والتحضر والمصلحة العليا.. إلا أنهم لا يفقهون ما يقولون.
ومشكلة الأغبياء أنهم في صراع مع بعضهم بعضاً ومع الآخرين. كل منهم يريد أن يأخذ مكان غيره.. وظيفة غيره.. سيارة غيره.. ثروة غيره.. ملابس غيره.. ودائماً يشكو حاله من الفقر والمرض والضعف والقبح والإفلاس، ويبحث عن مساعدة الآخرين دائماً.
الفرق بين الأغبياء والبلغاء واضح: البلغاء يشعرون بأن لديهم كل شيء، بينما الأغبياء يشعرون بأن ليس لديهم أي شيء.. حكمة الله في عباده!
farlimit@farlimit.comالرياض