لم تغب أدوار المؤسسات الإعلامية بجميع وسائلها وأساليبها عن أذهان خبراء التنظيم الإداري، وهم يضعون منطلقات،ووسائل، وآليات الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد والتي توجت بموافقة مجلس الوزراء قبل خمس سنوات تقريبا، وأشعرت بها مؤسسات الدولة ذات الصلة بتطبيقها، لكنها ظلت كغيرها من الإستراتيجيات بمنأى عن التفعيل والتطبيق خلا بعض المبادرات الفردية من بعض الجهات الأكاديمية، إذ ظهرت دراسات متفرقة تعنى بأسباب الفساد وآثاره دون أن تتكئ على لغة أرقام ومؤشرات حقيقية ذات دلالة ينطلق منها الدارسون، ويبنى عليها، وقد يكون سبب ذلك القصور في التناول عدم وجود حاضن لهذا الإستراتيجية في طور نشأتها، تتعهد بمتابعة ما ورد فيها.
وفي ظل المبادرات الإصلاحية القوية التي نهضت بها حكومة خادم الحرمين الشريف، كان من ضمن مشاريعها وبرامجها التي كثيرا ما انتظرها المجتمع السعودي ونادى بها إنشاء ( هيئة وطنية لمكافحة الفساد)،أوكل إليها من ضمن ما أوكل في عملها واختصاصاتها متابعة تنفيذ الإستراتيجية، ورصد نتائجها، وتقويمها ومراجعتها، ووضع برامج عملها وآليات تطبيقها، إضافة إلى تلقي التقارير والإحصاءات الدورية للأجهزة المختصة ودراستها وإعداد البيانات التحليلية في شأنها.
من هذا المنطلق، ومنذ أن باشرت الهيئة مهامها كان الإعلام هو أول من مدت إليه الجسور، ومن أكبر المصادر التي تتكئ عليها في تلقي المعلومات الأولية في التحري عن أوجه الفساد، مستفيدة من مساحة الحرية المتاحة له، والدعم غير المحدود الذي تلقاه المؤسسات الإعلامية من حكومة خادم هذه البلاد، بوصفه السلطة الرابعة، فهو الراصد الدقيق، والناقل للحدث بأبسط الطرق وأسهلها وأسرعها.
لهذا كان رصد ما ينشر في وسائل الإعلام عن موضوع حماية النزاهة ومكافحة الفساد، سواء كان على المستوى المحلي أو الدولي من وسائل الهيئة المعتمدة.
لقد حظي الإعلام بثقة المواطن ودعمه، وهو يحاول أن يلتمس أوجه القصور في المؤسسات التي تقدم الخدمات العامة للمواطنين، ويبحث عن مواطن الخلل والمنافذ التي يمكن أن ينفذ منها الفساد، ويطرق بقوة الأبواب الموصدة أحيانا للمسؤولين، ويخترق بعض التحصينات التي توجد، والأيام القادمة حبلى بمزيد من الشفافية والوضوح والمكاشفة أدرك هذا من أدرك، وجهله من جهل.
وتأسيسا على ذلك ليس من الغرابة في شيء أن نطلع، وفي أحد الاستفتاءات الإلكترونية أن يصوت 82% من المستفتين على اعتبار الإعلام أبلغ وسيلة للكشف عن حالات الفساد، وليس من الغريب في شيء أن تتكئ إحدى المؤسسات الرقابية على مانسبته 70% تقريبا من مصادرها في البحث والتقصي على ما ينشر في وسائل الإعلام.
من المؤكد أنها قد تتغير هذه الإحصائيات حينما يكون الاستطلاع عن المصداقية، أو تحري الدقة في نقل المعلومات بين ما ينشر في وسائل الإعلام، وبين القنوات الرسمية الأخرى، وسبب هذا التغير هو المبدأ القيمي والأخلاقي الذي يتمتع به الإعلامي، أو الوسيلة الإعلامية، ولا يعد ذلك التحريف في نقل الحقائق وتزييفها والتجني على الآخرين احترافية تذكر للإعلامي،أو الوسيطة الإعلامية تذكر لهم ويشكرون عليها.
أحيانا يغيب عن البعض أن المبالغة في رصد أوجه القصور والإثارة سببا في فقدان ثقة المواطن في مؤسسات الدولة والقائمين عليها، وكلما ازداد تضخيم مثل هذه الأطروحات أدى إلى نتائج عكسية على أمن البلاد، وخطط تنميته، وقوة استشرافه للمستقبل، إذن الإعلام سلاحٌ ذو حدين.
dr_alawees@hotmail.com