|
تبعاً لما تطرقت له في مقالي السابق في رثاء فقيد الأمة الأمير نايف بن عبدالعزيز تحت عنوان «وغاب ذلك الطود العظيم» من أنه إذا برح بالأمة ما برح من الحزن فذلك لأنه الشاهد على أنها تلد الرجال العظماء مثل فقيدنا العظيم لأنه كان القدوة الحسنة الذي غلّب إنسانيته وأبوته على منصبه السامي.. وبالفعل فإنه عندما تنثرنا عواصف المحن، تدغدغنا مداءات الأمل.. اليوم يتبوأ الأمير سلمان منصب ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ثاني أهم منصب في المملكة العربية السعودية، ويتبوأ الأمير أحمد بن عبدالعزيز وزير الداخلية الوزارة الأم التي تعنى بشؤون المملكة الداخلية. تواصلاً للعمل الوطني الذي يؤديه الرجال العظماء ومنهم من قضى نحبه.. ولعلنا في عجالة نعّرج على قراءة جزء يسير من كتاب سلمان وجزء يسير من كتاب أحمد، سيرة وأعمالاً وإنجازاً في خدمة هذا البلد الذي لطالما يشمخ بفعل الشامخين..
الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع هو ذلك الرجل الذي ناغم باسقات النخيل في طلعها وواكب بجهوده الصادقة مدينة الرياض -عاصمتنا الحبيبة- لحظات ميلادها العسير منذ الظهور الأول لبواكير دولتنا الحديثة فالتحم بأديم أرضها جسدا وروحا..وارتبط بها قلبا وقالبا.. ولقد قاد أميرها سلمان بن عبدالعزيز، منذ أكثر من خمسين عاماً، التطور الذي دخل على المدينة، إذ تحولت بسواعد البناء والتطوير خلال تلك الفترة من بلدة صغيرة من اللبن والطين إلى مدينة عصرية ذات أنماط مميزة في البناء والعمارة والتخطيط، تزينها ناطحات السحاب والمراكز التجارية العملاقة، فكان وحق له أن يكون علامة فارقة وصفحة مشرقة من صفحات المجد التي لا تطوى ولن تنسى.. لطالما جاب المستشفيات والمستوصفات والطرق والجهات الخدمية، ومؤسسات التعليم، والأحياء، مدشناً، وموزعاً، ومستطلعاً، كما هو ديدنه دائماً، حوّل الرياض إلى ورشة عمل كبرى في قطاعات السكن والطرق والكهرباء والماء والزراعة والتنمية الحيوانية والصحة والتعليم والأمن والنقل والاستثمار واستغلال الثروات الوطنية.. يفتح كل يوم قناة اتصال مع شعبه في مقر عمله أو في منزله للاستماع من أصحاب الحاجات، والمتقاعدين والعلماء والمواطنين البسطاء، وكل الفسيفساء الوطنية. دون أن يركن إلى التقارير.. تلك سلسلة متألقة من النجاحات التي تحققت بقدراته القيادية ومشروعه الفكري المتكامل وطموحه وجنوحه الدائم للنجاح وتشجيعه المستمر على الإبداع في الميادين كافة.. وضع الرياض بخاصة، والمملكة عامة، في سباق مع الزمن، نحو التميز والرقي، كما وضع الجميع في تحد للسير معه لتحقيق الحلم والفوز في السباق، وكان شعب المملكة في مستوى المسؤولية، وسار مع سلمان في السباق نحو التميز مستلهماً التوجيهات من لدن خادم الحرمين الشريفين قائد الأمة ورائدها.
سلمان بن عبدالعزيز من الشخصيات التي ينظر إليها العالم أجمع نموذجاً فريداً للقيادة الحكيمة والمتفردة التي تستشرف آفاق المستقبل لخدمة الوطن والإنسانية جمعاء. شخصية جمعت بين دفة السياسة والإدارة، وبين دفة الأدب والتاريخ والصحافة. يملك تجربة إدارية متراكمة يستطيع من خلالها القيام بحسم الأمور وإيجاد الحلول المدعومة بالدليل والبرهان? والإرشاد والإقناع في كل ما يعترض حياتنا اليومية التي يعيشها دائماً وقد أحدث نقلة نوعية في الإدارة الحكومية لم تكن مسبوقة.. فكانت له مكانته المتميزة التي يؤمن بها الجميع، كل ذلك في وفاء مكين وإخلاص متين لقائدنا خادم الحرمين الشريفين، متشبثاً بثوابت الأمة ومقدساتها.
سلمان بن عبد العزيز ذلك الرجل الذي يبهرك بذكائه وقوة ملاحظته.. أذكر أنني ذات مرة تشرفت بحضور حفل جائزة سموه لدراسات وتاريخ الجزيرة العربية تحت رعاية سموه في دارة الملك عبدالعزيز وعندما شرف الحفل واكتمل الحضور، وقد كنت في الصف الثاني وقريب مما حدث وقبل بداية الحفل ببرهة كان هناك مقعد خالٍ في الصف الأول بالقرب من أحد أنجال الأمير فإذا بشخصية عليه سمة الدين والتقوى يأتي متأخراً ويجلس في هذا المقعد وحين أخذ مكانه جاءه مسؤول العلاقات وهمس في أذنه وعلى الفور استجاب الضيف ونهض إلى آخر الطرفية اليسرى من الصف، فقام الأمير سلمان بهز رأسه يميناً ويساراً وعلى الفور قام نجله بالإشارة إلى مسؤول العلاقات وهمس في أذنه وعلى الفور ذهب مسؤول العلاقات إلى تلك الشخصية وعاد إلى مكانه بالمقعد.. تلك واقعة تدل على أن الأمير يدرك ما يدور حوله حتى ولو كانت من دقائق الأمور.. يتميز بقوة الملاحظة وقوة الذاكرة بقدر ما يتميز به من تواضع ودماثة أخلاق.
.. وعندما يأخذنا المجال إلى الأمير أحمد بن عبدالعزيز وزير الداخلية فإنه تلك الشخصية التي بطبعها تتحدى الصعاب وتسعى للصدارة دائماً في جميع المجالات.. شخصية إدارية متميزة حنكته التجارب يتميز بشفافيته وقدرته وشجاعته على سرد الحقائق أخذ إعجاب الناس به بمجامع قلوبهم. وقد رأوا منه في كلّ واقعةٍ موقفاً مشهوداً، وفي كلّ حديث إيضاحاً نيّرا ذا بعداً ثقافياً عالياً لرجل درس السياسة والاقتصاد، وملم بالآداب والثقافة العامة.. وعاشوا معه فطابت نفوسهم بلُقياه وهو يفيض رحمة وخلُقاً كريماً وإيماناً فوّاحاً بأزكى عطوره.. من العبادة الخالصة، والتقوى، وقد أجمع الذين رافقوا هذه الشخصية من قرب أو عاملوه من بعد أنه أصدق المثل الشريفة للعقلية السعودية العاملة المثابرة الثابتة وفضلاً عن ذلك موصوفاً بالتواضع الجم والحياء الكريم والسمّت الحسن..
أحمد بن عبدالعزيز صاحب رؤية ثاقبة، وتوجهات وتطلعات دؤوبة، يؤطرها الوعي وعمق الإدراك والحس الأمني القادر على استشراف حاجات ومتطلبات الوطن الأمنية من خلال عمله الطويل في الوزارة الذي أتاح له فرصة التعامل مع الكثير من الحالات والقضايا الأمنية والجنائية من مختلف مناطق ومحافظات المملكة مستنداً سموه في ذلك إلى ثقة وحب منسوبي القطاع الأمني وما يتمتع به من صفات قيادية متميزة وحكمة ورؤية متعمقة لاستشراف المستقبل، فقد أولى سموه أهمية كبرى لمنسوبي القطاعات الأمنية مدنيين أم عسكريين على اختلاف رتبهم ومراتبهم برؤى وخططاً طموحةً للريادة والأداء القائم على الجودة في أداء المهمات في ظل توجيهات القيادة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين من أجل الحفاظ على المكتسبات والإنجازات التي أصبحت معها بلادنا ولله الحمد مضرب المثل. إن فكر سموه التطويري، خلال هذه الفترة لم يقتصر على ديوان الوزارة فحسب، وإنما امتد ليشمل كافة المرافق الأمنية في جميع أنحاء البلاد فهو الذي يعمل باستمرار على توجيه المسؤولين في كافة مواقعهم الأمنية ومتابعة سير العمل للوقوف على مدى الإنجازات وتذليل العقبات.
أحمد بن عبدالعزيز تلك الإرادة التي أثبتت لنا أنها نبراساً مضيئاً ومنهجاً راسخاً للوطنية، علاوة على ما كان مشهودا له به من غيرة وطنية ودينية صادقة.. إنه المعين الذي لا ينضب لروح الولاء والانتماء والتضحية في خدمة هذا الوطن العزيز طيلة عمله نائباً لفقيد الأمة الأمير نايف بن عبدالعزيز في كل أعمال الوزارة وأجلها ما أوكل إليه من توفير الأمن والأمان والراحة لضيوف المسجد الحرام من الحجاج والمعتمرين وما يبذله من جهود جبارة استكمالاً لمسيرة العطاء والنماء، ووفاء لإنجازات مرحلة التطوير، وبناءً لدعائم مرحلة التمكين في هذه الوزارة التي تعنى بأمن المواطنين ومن يعيش على صعيد هذه الأرض الطاهرة.
وبعد:
كم أنت رائعة وجميلة؛ مملكتنا العزيزة، إنك درة الأوطان، دار الآباء والأجداد، فيكِ مدارج صبانا وبكِ نبتت أحلامنا، انعمي بحاضرك الأغر ومستقبلك الزاهر واتكئي على ماضيك المشرق بعبق التاريخ، الحكام والشعب لحمة واحدة يعبدون الله على أرضه ويتعاونون على البر والتقوى؛ يسيرون أمورهم بكل حكمة وسلاسة وعدلٍ وأناة، يتجاوزون كل مطبات الزمن بذكاء، يتعايشون بهدوء.. يأتلفون كما يأتلف سواد العين ببياضها.. فهنيئاً لنا هذا الاختيار من لدن خادم الحرمين الشريفين الذي صادف أهله تماماً ويعد مصدر فخر واعتزاز لكل مواطن على أرض المملكة الحبيبة، فلهم منا البيعة ولهم منا الولاء، ولا يفوتني أن أرفع أسمى آيات الشكر لخادم الحرمين الشريفين وأسمى آيات التبريكات للأمير سلمان والأمير أحمد على هذه الثقة الغالية من لدن خادم الحرمين الشريفين.. داعين الله جلت قدرته أن يكلل جهودهم بالتوفيق والسداد وأن يكونوا خير خلف لخير سلف وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ .
(*) هيئة الرقابة والتحقيق - الرياض