السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
رد الشيخ رياض العمري على تعقيبي على مقالة له (حول تعبير الرؤى) وذلك في عدد (الجزيرة) الصادر يوم السبت 27-7-1433هـ إلا أن لي وقفات مع الرد أوجزها في الآتي:
1- استدل على رأيه بقوله تعالى: {وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} و{وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ}، وهذا الاستدلال مردود لأن هذه الآيات في حق نبي معصوم يوحى إليه، وليس أنه تعلم تعبير الرؤى كعلم شرعي، ونظير ذلك قوله تعالى في حق حبيبه وخليله صلى الله عليه وآله وسلم {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى }، فالمقصود هنا ولا شك الوحي.
2- وأما استدلاله بالحديث الصحيح (لا تقصوا الرؤيا إلا على عالم أو ناصح) فقوله صلى الله عليه وآله وسلم أو ناصح يبطل الاستدلال لأن من أوتي جوامع العلم لم يقل عالم ناصح، بل قال عالم أو ناصح!
3- وأما استدلاله بما روي عن الإمام مالك - رحمه الله- (لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها)، فأنا مع كلام الإمام مالك إلا أنه قال (من يحسنها) وربما أحسنها العابد الذي لا علم له إلا باليسير من العلم الشرعي، أو حتى العامي الذي ربما يرى الرؤيا فيعبرها فتقع على تعبيره.
4- ومن ذلك استدلاله بتعبير العلاَّمة ابن سعدي رحمه الله للآيات الكريمات من سورة يوسف، وردي على ذلك هو ردي على الشيخ رياض من أن الفتوى في هذه الآيات ليست الفتوى الشرعية التي هي بناء على علم شرعي، وإلا للزم من ذلك أن يكون الفتى الناجي مسلماً، وكذلك نقول عن الملكة بلقيس! وقد علمنا أهل الفضل منا أن لا نسلم لقول إلا بدليل شرعي وإن كان القائل من وزن العلاَّمة ابن سعدي وأضرابه من أهل العلم.
5- وأما قوله (إن تأويل الرؤى جزء كبير منه قائم على النصوص الشرعية وفهم دلالتها) فلا خلاف عليه، إلا أنه استدلال عليه لا له، وذلك أن التعبير لو كان علماً شرعياً لكان كله قائماً على النصوص الشرعية والمصادر الشرعية المعروفة، ولما صح الأخذ بالرموز المكانية والزمانية والعرفية واللفظية في التعبير دون دليل شرعي.
6- وأما ما ذكره من أن تعبير الرؤى علم شرعي لكنه أقل شأناً من العلوم الأخرى فليس في العلوم الشرعية قليل الشأن، فقد تولى الرب -تبارك وتعالى - بنفسه العليّة الفتوى في مسائل الحيض والأهلة.
7- وأما قوله - وفقه الله- إن المقصود بالفتوى في الآيات المشار إليها المعنى اللغوي لا الاصطلاحي فهذا ليس موضوع اختلافنا، وهو خلاف رأيه في المسألة، وإلا فكلنا مثلاً نعرف أن معنى (ربك) في قوله تعالى {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ........} ليس هو ذات المعنى في قوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى........}.
وأوضح ما استدل به في هذه المجال - والبحث الطويل- حديث (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً) المشهور، فلو كان التعبير فتوى بالمعنى الاصطلاحي لما استأذن أبو بكر - رضي الله عنه- رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعبّر الرؤيا بحضرته، ولما أذن له رسول الله بذلك، وفي الحديث نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يصحح لأبي بكر ما أخطأ فيه من التعبير ولو كان التعبير علماً شرعياً لما وسعه صلى الله عليه وآله وسلم السكوت عن خطأ أبي بكر لأن القاعدة الشرعية تقول (لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة).
ولا يفهم من قولي أني أجيز لكل من هبَّ ودبَّ أن يعبّر الرؤى أو أن يتخذها مطية للتكسّب والمتاجرة، ولكن المقصود أن يعبّرها من ثبت بالتجربة موافقته للصواب في تعبيرها في غالب أمره، وأن يستنير في ذلك بالنصوص الشرعية قدر الإمكان، والله أحمد أولاً وأخيرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم/ عارف بن عيد العتيبي