اتصل بي هاتفياً أحد الإخوة، ممن لا أعرفه من قبل راجياً ومؤملاً، وأخبرني بأنه من المهتمين بمعالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر، وبكتبه وسيرته الذاتية، ولما كان معاليه قد زودني بآخر كتبه، وفيه ترجمة وافية بسيرة متكاملة؛ لأنه - كما قال - من المتابعين لما أعرضه للقراء من كتبه، ولما كان يُقال «أصدق السير الذاتية ما كانت بقلم الشخص عن نفسه»، فوعدته بتزويده بما توافر؛ لأنني تأخرت عن كتابه الأخير؛ حيث ذكرت لمعاليه السبب؛ فكان هذا الطلب معيناً لي على هذه الكتابة لعلها تفي بما طلبه هذا الأخ وغيره بما أقدمه من معلومات رصدها آخر كتاب وصلني منه، وهي سيرة لأعماله، وفيها شيء من ذكرياته، وتراثه العلمي؛ لأن هذا الكتاب قد لا يُتاح له.
هو الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر من أوائل من تحصل على هذه الرسالة العلمية في المملكة. وفي كتابه الذي سنعرض له ما يتلاءم مع الحيز المتاح. يقول في آخر صفحة 455 إنه وُلد عام 1344هـ، الموافق 1926م، في مدينة عنيزة بالقصيم، المملكة العربية السعودية، ودرس فيها جزءاً من الابتدائية، أما الثانوية ففي مكة المكرمة، والجامعية (ليسانس من دار العلوم بجامعة القاهرة)، عام 1371هـ، أما الدكتوراه ففي التاريخ من جامعة لندن 1380هـ، وقد عُيّن في العام نفسه أمينا لجامعة الملك سعود بالرياض، ثم وكيلاً لها، وقد درَّس تاريخ المملكة العريبة السعودية لطلاب كلية الآداب.
أما عن حياته العملية، فنقول: أمد الله في عمره على خير عمل؛ فقد كانت حافلة، وبمناصب بانت بصماته فيها؛ إذ انتقل من الجامعة إلى رئاسة ديوان المراقبة لمدة عامين تقريباً، ثم وزيراً للصحة لمدة عامين تقريباً، ثم وزيراً للمعارف «التربية والتعليم» لمدة واحد وعشرين عاماً، وقد عُين في عام 1416هـ وزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء، ولا يزال.
أما كتبه التي تُعتبر جهداً وتراثاً ففي مجال الصحافة كثير جداً، وقد أحبّ إلقاء عصا التّسيار في هذا الميدان، وتفرغ للكتب التي بلغت (22) اثنين وعشرين كتابا (ص455 - 458).
وقد أودع في هذه الكتب والمقالات أفكاراً نيّرة، وآراء ذات أهمية، وذكريات رصدها في أوقاتها، محتوية على تجاربه وبعض الاقتراحات. وبعض كتبه من أجزاء عدة، فمثلاً:
- كتابه (أيْ بُني) في خمسة أجزاء، ويُعتبر ما فيه أسلوب تربوي موجَّه بنصائح لابنه، ويتعدى نفعها، كان هذا الصدور بين عامي 1409 - 1414هـ.
- كما ألَّف منذ عام 1414هـ كتابه (إطلالة على التراث)، وخرج في سبعة عشر جزءاً.
- ألَّف منذ عام 1419هـ حتى عام 1427هـ ثلاثة أجزاء من كتاب ملء السلة من ثمر المجلة، ويعني في هذا مجلة العربية، التي كان يكتب فيها ذلك الوقت، ومجلة الفيصل.
- وفي هذا العام 1433هـ أخرج الجزء الرابع من كتابه ملء السلة، الذي بين أيدينا، وسنمر به عرضاً بحسب ما يتبقى من الحيز، كما ألَّف كتابه دواء الركبتين.
- وفي عام 1425هـ ألَّف كتابه (دمعة حرّى)، والطبعة الثانية مزادة عام 1428هـ.
- ألَّف منذ عام 1426هـ - 1431هـ أربعة وعشرين جزءاً من كتابه (على أديم الزمن لمحات من الذكريات).
- وفي عام 1428هـ ألّف كتاب (رصد لسياحة الفكر) أربعة أجزاء.
- وأما بقية الكتب فهي من جزء واحد؛ ما يبرز للقارئ ما جعل الله في وقته من البركة مع كثرة المشاغل والمهمات.
- تنظر الكتب التي صدرت له في ص456 - 458 من كتابه ملء السلة من ثمر المجلة - الجزاء الرابع.
والكاتب متعه الله بالصحة والعافية، قادر على العطاء، وأعانه الله، ويتمتع بحسن الخلق مع الجميع والتواضع.
قلت هذا عما أعرفه عن مؤلفات معاليه، ولم آت بشيء من نفسي، وإنما هي جزء من معلومات، أثبتها الكاتب على كتابه ملء السلة من ثمر المجلة - الجزء الرابع الطبعة الأولى عام 1433هـ، وأوضع عن كتابه هذا بقوله: هذا هو الجزء الرابع من سلسلة «ملء السلة من ثمر المجلة»، وسيكون آخر جزء لأني أوقفت المقالات التي كنت أنشرها في «المجلة العربية» و»مجلة الفيصل»؛ لأنه جاء ما يزاحمهما، ويحظى بالمكانة دونهما، فمنذ أن بدأت سلسلة «وسم على أديم الزمن» بأجزائه، وهو كتاب يتحدث عن ذكرياتي وما مر بي من أحداث رسمية وأسرية أو غير ذلك، وأنا من الموحدين، ولا أؤمن إلا بأن الراحة في الحياة تتوافر مع زوج واحدة.
هذه المقالات هي آخر ما كتبته للمجلتين المفيدتين، وكان التزامي لهما هو الذي كان يحدوني ألا أتأخر عن موافاتهما بما يضمن ألا يخرج عدد منهما دون أن يكون مقالي في مكانه، وعلى هذا لا أنسى أن أشكر القائمين عليهما، فكان للصولجان الذي يلوحون به إذا خشوا ألا ألحق بالركب فضل في الاستمرار. ثم قال: هذا الجزء من سلسلة ملء السلة من عمر المجلة يسير على قضيب القطار، الذي سارت عليه الأجزاء الثلاثة السابقة، لكنه لم يحدد تاريخ كل جزء منها؛ فالنهج هو النهج، والأسلوب هو الأسلوب، والهدف هو الهدف، وما اختلفت إلا الحقائق التي تؤكد ما هدفت إليه هذه المقالات. ومن الأهداف التي رمت إليها هذه المقالات أن تفتح نوافذ يطل منها الناشئ على شيء من تراث فكري لأجداده ومجد ثقافي وما كان في هذا التراث من حِكم وعصير تجارب صاغوها صياغة متقنة لمن سيوفقه الله ويقرؤها، ويتمعن فيما فيها، فستكون له أداة جذب لمواصلة التشبع من هذا التراث الذي بدأ يبتعد عن عناية الجيل الحالي، وهو جيل الوسائل الحديثة، التي لا تُبخس فائدتها، لكن المقالات من أي أمر تأتي على حساب ما قد يكون فيه فائدة أكبر.
ثم أردف في المقدمة بالقول: أنا متأكد من أن من قرأ (ملء السلة) سيكون له طُعْم في رأس سنارة، وسيُدمِن الغوص في الدرر الفكرية والثقافية ومظان الحضارة التي جعلت أمة العرب بإسلامهم فوق كل الأمم، في يوم من الأيام.. إلى آخر ما جاء في هذه المقدمة المشوقة لتتبع مادة هذا الكتاب الذي حكم عليه المؤلف في المقدمة بأنه يُعطي متعة أكثر مما تعطيه قصة فيلم على إحدى القنوات (ص9).
يقع هذا الكتاب في طبعته الأولى الأنيقة في 458 صفحة من القطع المتوسط بفهارسه وملاحقه، وقد اشتمل على 59 موضوعاً بأسلوب أدبي جيد، مع حس علمي رصين، ونقد رصين يروي ظمأ المستشرف.
فالكاتب لم يَسْرد الكلام سَرْداً بل يتأمل كل موضوع اختاره ويورده بإحساس الناقد، مبيناً ما فيه من الملامح قوة أو ضعفاً، ويذكر بعض الحكايات التي مرَّت به، وينتقد الأكثر بمنهجية مميزة في كتابة المقالات، حتى يخرج المتابع بحصيلة تعينه في توسيع المدارك، وفتح باب التأمل المعين في إثراء هذه الحصيلة.
وإن الحيز المتاح لا يسمح بالسير مع الكاتب في جولته العلمية المتأنية، لكن سأورد نماذج وفق المثل العربي «يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق».
ففي الموضوع الأول قالوا فصدقوا ص10-17 نقل عن الثعالبي كلمات منسوبة للإسكندر المقدوني الملقب بذي القرنين لما توجَّه للقاء «دارا»، قالوا له: إن دارا في ثمانين ألفاً. قال: إن القصاب لا تهوله كثرة الغنم. ولما قالوا له: لو استكثرت من النساء كثر ولدك، ودامت بهم ذكراك، قال: دوام الذكر بحسن السير والستر، ولا يحسن بمن غلب الرجال أن تغلبه النساء. ونظر إلى رجل حسن الوجه قبيح الفعل، فقال: أما البيت فحسن، وأما الساكن فرديء. ومع مكانة وانتصارات الإسكندر الذي جاء اسمه كما في القرآن الكريم {ذو الْقَرْنَيْنِ} فإنه مات وعمره 32 سنة فقط. وقد أعاد بعض الحكايات لمصادرها، إلا أن نظرة الكاتب تميَّزت بالنقد؛ فقد قال: وبعض الأقوال التي تُنسب إليه قد لا يكون فيها إلا جمال لفظها، لكنها عند الحك الملح والاختبار العميق يتبين أن لا لب فيها، بل قد تكون غير صادقة.. وهكذا استمر في المحك النقدي المقارن بالمحسوس عما نسب لهذا القائد المشهور.
- وفي الموضوع الثاني: ضياء الحق ونور اليقين، قال عن هذا العنوان إنه: يسطع من تعاليم الدين الإسلامي؛ فهو دين العمل وهدي السبيل ونور الطريق، مستشهداً بالحديث الصحيح: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى...» إلى آخر الحديث. وقال: هذا مجرب: ينوي المرء خيراً فيأتيه مردود من الخير أضعاف ما نوى إن لم يعقه عن تنفيذ ما نوى عائق، وإن منعه مانع فهو على نيته مثاب مأجور، ولا بد أن ينال مع رضا الله ما ينفعه في دنياه، إلى أن قال: وقد تتبعت هذا في نفسي وفيمن حولي من أهل وأصدقاء ومعارف، ووجدت هذا الحديث قاعدة ثابتة في صدقها ووضوح نتائجها، حتى في الأمور التي قد تبدو غير مهمة؛ فالتسامح إذا أريد به وجه الله، والكرم إذا أريد به وجه الله، ومحاولة الصلح بين مسلمين متنافرين إذا كان لوجه الله، يربو ويزيد ويزدهر، ودخله البركة التي لا ينتهى مفعولها. (ص 25-27).
- وفي الموضوع 15 بعنوان باب في الإنصاف ص90 له نظرة خاصة فيما يروج في التراث، فمثلا يقول: لي نظرة تجاه الحجّاج تختلف تماماً عن نظرة عديدين من الناس، سواء من كتبوا عنه أو قرأوا عنه، فلا أراه بالقسوة التي يصفونه بها، وأعتقد أنه يخاف الله أكثر مما يصفونه به من تجاهل أوامره جل وعلا، وأعتقد أن بعض الأخبار التي تروى عنه، وتصفه بما يجعله مكروها، مما يقرؤها، ملفّقة.
ومن يقرأ بعض القصص عن الحجّاج يجد أنها مأخوذة من قصص سابقة لزمنه بقرون، وأورد نماذج تبرهن دور على أعداء الحجّاج من الخوارج ومن أصحاب الفتن التي أخمدها.
والكتاب شيّق بما فيه من نقد هادف؛ فقد كانت جميع موضوعات هذا الكتاب، وهي أصلها مقالات في مجلتين، تُعتبر إثراء للنقد وخطوة نحو تنقية التراث الأدبي مما أدخل فيه. والنصح مني للقراء بقراءته بتمعن.