لدي شعور أننا لو أجرينا مسحاً ميدانياً على عينة عشوائية من السعوديين، وسألناهم ماذا يتمنون، أو طلبنا منهم تحديد أمنية واحدة فقط، لوجدنا معظمهم يتمنون بيت العمر الذي يؤويهم، وقد كنت أردد دائماً، أن الأب أو الأم حينما يساورهما الشقاء والحلم ببيت المستقبل، فهما يقلقان ليس لأجلهما، بل لأجل صغارهما الذين يخشيان عليهم من قسوة الشارع والتشرّد من بعدهما!
هكذا صفق أغلب السعوديين فرحاً بإقرار نظام الرهن العقاري لدينا، وربما شعر البعض أنه قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الحلم، دون أن تتاح لنا فرصة قراءة النظام، دون أن ننتظر صدور اللائحة التنفيذية للنظام، مما يعني أنه قد يكون وبالاً على المواطن، وربما يكون مساعداً للارتفاع المستمر للعقار، وقد يكون فيه فرصاً تجارية جديدة للعقاريين المتخمين، ولشركات التطوير العقاري، لكن على حساب المواطن المضطر إلى بيع الغنم والبيت، بل وحتى رهن الحمار، كما يقول شاعر شعبي قديم، حينما قدمت السيارات لأول مرة في الجزيرة العربية.
(يا راكب اللي تخر الزيت
من الرعوجي شريناها
بعنا الغنم ثم بعنا البيت
حتى الحمارة رهناها).
هكذا تبدو فكرة الرهن قديمة، سواء كانت رهن عقار أو حمار، لكن ما نتمناه ألا نقع في أزمة مدمرة كما حدثت في سوق العقار الأمريكية، في ما عرف بأزمة الرهن العقاري بالولايات المتحدة الأمريكية.
هذه الأزمة المالية التي عصفت بالعالم عام 2007، وأنهت أحد البنوك العملاقة، وهو بنك ليمان براذرز، وكذلك شركة أميركان إنترناشونال جروب للتأمين، كانت قد نشأت حينما عجز محدودو الدخل عن الوفاء بالتزاماتهم بعدما أرهقتهم الأقساط المتزايدة، وحينما حاولت الشركات والبنوك بيع المنازل، محل النزاع، للوفاء بالتزاماتها رفض هؤلاء الخروج منها، مما جعل قيمة العقار تتدهور كثيراً.
السؤال ونحن على مشارف تطبيق نظام الرهن العقاري بعد تسعين يوماً، ماذا اتخذنا من إجراءات نظامية نستطيع بها أن نحمي شركات التطوير والتمويل العقاري من الانهيار؟ لأن انهيار المنظومة البنكية في أي بلد هو انهيار حتمي لاقتصادها، فهل هناك استعداد تنظيمي لذلك؟ هل سيكون هناك دقة شديدة في تطبيق نظام الرهن، وألا يتحول الأمر إلى مضاربات واستثمار غير مأمون لدى البعض؟
أعتقد أن درس انهيار سوق الأسهم عام 2006 هو درس مهم يجب علينا أن نتنبه له جيداً، وهو درس موجع لأن السوق حتى الآن، وبعد مرور خمس سنوات لم يستطع أن يتعافى، ولم يتمكن من استرداد الثقة فيه من قبل المستثمرين والمضاربين، فبقي متأرجحاً وسريع السقوط لأي هزة أو إشاعة عابرة. لكن سوق العقار يختلف كثيراً عن سوق الأسهم، خاصة بعد ارتباطه بالشركات والبنوك التمويلية، بعد إقرار نظام الرهن العقاري، فعدم تقنينه بشكل جيد ومأمون، سيؤدي بنا إلى كارثة اقتصادية قد يصعب الوقوف بعدها لعشرات سنوات قادمة.
كلنا ثقة بما تمتلكه بلادنا من كفاءات اقتصادية وقانونية فذة، تستطيع أن تضع اللائحة التنفيذية للنظام بشكل واقعي ومتوازن، كي تحمي المواطن من جهة، وتحمي البنوك وشركات التأمين وشركات التطوير العقاري من جهة أخرى، حيث الزمن تغير كثيراً عن لحظات شاعرنا الشعبي القديم، ولم تعد البنوك الضخمة هي صاحبنا الرعوجي، ولا العقار المرهون هو حمار الشاعر الحالم بسيارة تخر زيتاً.