لا يمكن تصوّر مدينة أو قرية في هذا العصر بدون أن يكون جزءاً من أجهزة حماية الإنسان فيها دفاعاً مدنياً، يقوم بحماية الإنسان والممتلكات الخاصة والعامة من أية أخطار احتمالية. أهمية أجهزة الدفاع المدني في تقديري توازي أهمية الأجهزة الأمنية؛ وجهاز الدفاع المدني هو الجهة المخوّلة بفرض أنظمة وقوانين السلامة والاحتراز من الكوارث؛ أو تجهيز خطط الطوارئ بعد وقوع الكوارث؛ لذلك فإن النظام والتعليمات التي يصدرها الدفاع المدني تكون عادة بمثابة خط الدفاع الأول للمحافظة على سلامة وأمن المواطنين والمقيمين والزوار، وعندما تتساهل أجهزة الدفاع المدني في تنفيذ تعليماتها وأنظمة دَفع الأخطار المحتملة، وتلمس سُبل السلامة، أو أنها (تهمل) في الرقابة والمتابعة على تنفيذ هذه التعليمات والنظم، يكون ذلك بمثابة (الثغرة) التي سيأتي يومٌ تتسلّل من خلالها الكوارث الطبيعية، ولدينا تجارب يطول الحديث عنها في هذا المضمار.
وللحق أقول: إن الدفاع المدني له مساهمات جيدة في مجال حماية الإنسان في المملكة، وتلمس طرق السلامة، سواء في مناسبات الحج والعمرة، رغم الأعداد الكبيرة التي تتدفق على الحرمين الشريفين، أو في غيرها، كالجهود الاستباقية التي بذلها منسوبوها عندما بدت إرهاصات (زلزال العيص) قرب المدينة في الظهور، والتي بدا واضحاً أن ثمة عيوناً يقظة للحفاظ على أمن الوطن والمواطن والمقيم والزائر، وتحرّي الحيطة والحذر قبل أن يقع الفأس في الرأس؛ وهذا من أولويات ثقافة الدفاع المدني.
غير أن هناك (ثغرة) رأيت من الضرورة التنبّه إليها، قبل أن (يقع الفأس في الرأس)، مؤداها أن هناك تقصيراً واضحاً في متابعة تقيّد المنشآت السياحية، كالفنادق والشقق المفروشة ومدن الملاهي وغيرها من المنشآت السياحية أو الترفيهية بتعليمات وشروط وأنظمة الدفاع المدني. فالنظام المتبع في المملكة يفرض على صاحب المنشأة السياحية أن يستصدر عدة تراخيص من جهات عدة، منها ترخيص من الدفاع المدني بصلاحية منشأته لممارسة النشاط السياحي، واتباع سبل السلامة. وبناءً على ذلك يُرخص الدفاع المدني لهذه المنشآت أياً كان مجال نشاطها السياحي أو الترفيهي قبل أن تزاول نشاطاتها. غير أن هذه المنشآت تنتهي علاقتها بالدفاع المدني، أو قل: بتحرّي سبل السلامة، بمجرد أن يصدر الترخيص؛ فلا تقوم فرق رقابية من قبل الدفاع المدني بمتابعة التزام أصحاب المنشآت بأنظمة الدفاع المدني، وانتهاج سبل السلامة. فرغم أن الترخيص الصادر من الدفاع المدني يُقيد هذا الترخيص بمدة معينة، إلا أن أغلب هذه المنشآت لا تكترث بالتجديد، وتستمر في العمل، والسبب لأنهم في الغالب يتساهلون في تنفيذ متطلبات السلامة المفروضة من الدفاع المدني بعد استلام الترخيص، لأنهم يعرفون أن الرقابة والمتابعة غائبة، أو بلغة أدق (مُغيّبة) فما الذي يجعلهم يكترثون؟
ولأن القضية تتعلّق بسلامة الإنسان، ولكي لا نصحو على كارثة إنسانية ناتجة من هذا التساهل أو بلغة أدق (الإهمال)، فإنني أهيب بالدفاع المدني أن ينتدب مفتشين للرقابة على تنفيذ أنظمة وتعليمات الدفاع المدني المتعلقة بالسلامة، وحبذا كذلك لو سُنّت إجراءات حازمة، وغرامات، من شأنها إجبار أصحاب هذه المنشآت على تجديد التراخيص بصفة دورية، وإلا فتوقّعوا كوارث قادمة، وقد أعذر من أنذر.
إلى اللقاء.