في العام 2007 كتبت عن أهمية الخزن الإستراتيجي للسلع والمياه في جميع مناطق المملكة، وبما يكفي لسد الاحتياج المحلي لعامين متتالين دون الحاجة إلى الاستيراد؛ مطلع العام 2008 صدر قرار ببناء مخزون إستراتيجي من السلع الغذائية؛ ومنذ ذلك التاريخ لم يُستكمل المشروع الذي يفترض أن يكون من أساسيات العمل الإستراتيجي في الدولة.
اليوم تواجه المنطقة متغيرات سياسية، وعسكرية قد تؤثر على تدفقات السلع، وتوفرها في السوق المحلية، أو قد تؤثر سلبا على الأسعار، ما يُظهر من جديد أهمية الخزن الإستراتيجي وضرورة تنفيذه في أسرع وقت.
خزن السلع والمواد الغذائية الرئيسة يوفر الإمداد الغذائي للمواطنين ويسهم في المحافظة على أسعار السلع الرئيسة في السوق ويوقف انعكاسات تقلبات الأسعار العالمية على الداخل.
يمكن تقسيم الخزن الإستراتيجي إلى قسمين رئيسين الأول الخزن الإستراتيجي الحكومي وهو مخزون السلع الذي تقوم الدولة بتوفيره لمواجهة الأزمات وبما يسد الاحتياج المحلي لفترة زمنية لا تقل عن عامين؛ والثاني هو الخزن الخاص بالتجار ويفترض أن يكون كافيا لمواجهة الطلب المحلي لفترة عام على أقل تقدير. هناك أيضا مخزون المصانع من المواد الأساسية التي يفترض أن تكون كافية لتشغيل المصانع دون الحاجة للاستيراد لفترة كافية. أسعار الاستيراد قد تكون مؤثرة في الربحية، إلا أن ضمان عمل المصانع الرئيسة في أوقات الأزمات مقدم على حسابات الربحية، لذا يفترض أن تكون لدينا خطط إستراتيجية مشتركة بين قيادات المصانع المهمة، والجهات الحكومية؛ الأمنية منها على وجه الخصوص.
هناك قرارات يمكن التعامل معها ببطء، وقرارات ملحة يجب تنفيذها فورا بعيدا عن اللجان وبيروقراطيات الوزارات المختلفة. بسبب الحرب العالمية واجهت المملكة شحا في معروض السلع، وعلى رأسها السلع الغذائية، ما أدى إلى تضرر المواطنين رغم عددهم المحدود آنذاك، ومحدودية السلع الأساسية التي لا تتجاوز سبعة أصناف. ما حدث في الحرب العالمية قد يحدث في أي وقت، فتدفق السلع، وانسيابية الواردات قد لا تدوم، وقد تتأثر بالمتغيرات السياسية والعسكرية، والبيئية أيضا، وهذا سيؤثر في توفير الغذاء والدواء والسلع بأنواعها؛ ما يفرض على الحكومة سرعة التعامل مع الخزن الإستراتيجي المطبق في جميع دول العالم. يمكن استغلال الخزن الإستراتيجي في إطفاء نار الأسعار في الأزمات، أو في الأوقات الطبيعية، فالمخزون الإستراتيجي يحتاج إلى تدوير لضمان جودته، يمكن للحكومة بيع جزء من المخزون الواجب تجديده للتجار بأسعار رخيصة وتلزمهم بإعادة بيعه مع هامش ربح بسيط لتغطية تكاليف النقل والمناولة والبيع. يمكن للدولة أيضا توزيع الكميات المراد تحديثها على الفقراء والمحتاجين، أو توجيهها إلى الجمعيات التعاونية لبيعها على السعوديين بأسعار متدنية، أو شحنها لإغاثة الشعوب المتضررة إذا لم تكن في حاجة لها، كما تفعل الولايات المتحدة الأميركية التي تُغيث الشعوب بجزء من مخزونها الذي شارفت صلاحيته على الانتهاء.
الخزن الإستراتيجي للأغذية، الأدوية، والمياه يفترض أن يكون من الأولويات في مثل هذه الظروف الحرجة، أسوة بالخزن الإستراتيجي للنفط الذي تم التعامل معه على أعلى المستويات التقنية، الإدارية، والمالية وأثبت نجاعته ومقدرته على مواجهة الظروف والاحتياجات الطارئة. الخزن الإستراتيجي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي، وهو مسؤولية الحكومة والتجار في آن؛ الأمل مازال معقودا على التجار الوطنيين الذين يفترض فيهم تقديم مصلحة الوطن الواسعة على المصالح الشخصية التي لا تدوم. المستودعات التجارية ما هي إلا جزء من مجمل الخزن الإستراتيجي الشامل، وأحسب أن المصلحة العامة تفرض على الجميع التعاون من أجل الوصول بحجم المخزون الإستراتيجي من المواد الضرورية إلى مرحلة الكفاية لسنتين قادمتين على أقل تقدير، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى توفر السلع، و استقرار الأسعار وعدم تأثرها بالأزمات الوقتية العابرة.
f.albuainain@hotmail.com