على الرغم من قرار الأزهر الشريف، القاضي بتحريم تجسيد الأنبياء، والصحابة، وآل البيت، والعشرة المبشرين بالجنَّة في أيّة أعمال فنيّة، وفقًا لفتوى مجمع البحوث العلميّة، فقد انتقد مفتي عام المملكة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، في خطبة الجمعة، بالجامع الكبير في الرياض -قبل أيام-، بأن: “أصحاب فكرة مسلسل الفاروق عمر، ومَن شاركوا فيها، ومَن تبنوها مخطئون.. وأن تحويل سيرة الخلفاء، والصحابة إلى عمل سينمائي، يعرّضها؛ للحديث من كل ساقطٍ، وساقطةٍ، والتجريح، والنقد”. وحذّر أصحاب القنوات الفضائيات: “من إنفاق أموالهم في الباطل، وطالبهم بتقوى الله، وأن ما يقومون به من أعمال محرّمة خطأ، وجريمة”.
أعلم، أن أكثر فقهاء الإسلام يذهب إلى منع تجسيد الصحابة -رضي الله عنهم-؛ إما منعًا لأصل التمثيل، أو منعًا لتمثيل الصحابة دون غيرهم، أو لعدم إمكان تحقق شروط الجواز عندهم، كل ذلك؛ من أجل البعد عن التشكيك في قداسة تلك الشخصيات، والحيلولة دون الطعن في مكانتهم المبجلة. وعلى هذا الاعتبار، تأسست الأحكام الشرعية؛ لأنّها تنظم حياة الناس في الدنيا.
إن حجر الزاوية في كلِّ العلاجات الدرامية التاريخية، هو أن التمثيل سيبقي التصوير الحركي في الذهن، باعتبار أن البصر، أكثر الحواس نشاطًا في التصوير الذهني للصورة. -وبالتالي- لا يمكن تصوير غير الصحابي عند ذكر الممثل عنه؛ لأنّ الصورة الذهنية ستبقى كامنة، ومستترة، ومحتملة في الذهن، وذلك من خلال الصور البصرية المشابهة عن طريق تجسيد الشخصيات التاريخية. وهذا ما أظهرته إحدى الدراسات الحديثة في علم النفس، من أن “86 في المئة” ممن أجريت عليهم جداول إحصائية، ترى أن التصوير الذهني البصري، أقوى ما يمكن. وأن “69 في المئة “ منهم، ترى أن التصوير الذهني السمعي، أقوى بشكل ملحوظ، ثمَّ يأتي بعد ذلك: اللمس، والذوق، والألم.
وبعبارة أخرى، فإن تلك الصور التمثيلية، ستثري لدى المشاهد كما غير محدود في ذاكرته عبر جذورها الانفعالية، والمنطلقة من الخيال، فيستطيع التعبير عنها في ديناميكية خاصة، تتعلّق بطبيعة التفكير، والتصوير؛ بهدف الوصول إلى بناء دراما مدعومة بكلِّ تقنيات المؤثِّرات السمعية، والبصرية؛ لكنها غير متكاملة الجوانب، كونها تعرض على المشاهد تشكيل وعيه عن الشخصيّة المراد تجسيدها، وتحاصره، وتستلب ذاته، وإدراكه.
من جانب آخر، فإن ما يقال من حصول بعض المصالح، مع إغفال المفاسد المترتبة على هكذا عمل، هو في تقديري: دخول في دائرة المحظور، وممارسة تشويه متعمد على منظومة القيم الاجتماعية، والثقافية، بل والتاريخية، وتهجين الذوق العام. وهنا تكمن خطورة الصورة في ضياع مصداقيتها، وفي تحويل ما يراد تمثيله إلى خداع المتلقي، وتزييف التاريخ أمام عينيه.
وعليه، فإن الموفق من -وفقه الله تعالى -؛ للعمل بفقه “الموازنة بين المصالح، والمفاسد”، في ضوء نصوص الكتاب، والسنَّة، مع مراعاة الأصول، والضوابط الشرعية، والاستفادة من فهم العلماء المحققين من سلف الأمة، وبعيدًا عن أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية، ودرء مفاسدها العادية.
بقي أن أقول: إن ثقافة العين، أصبحت بلا منافس في رسم معالم ما نريد؛ إما في خلق عالم متطابق مع الواقع، أو بديل عنه؛ من أجل الاستحواذ على بصر المتلقي، وبصيرته، ومن ثمَّ امتلاكه. - وكذا - فإن إشباع حاجات المتلقي، وإرضاء رغباته، وتلبية طلباته حق مشروع؛ لكن دون التسويق، والاستهلاك، والتأثير في الرأي العام، وخرق المحرَّمات بجميع أشكالها، وصورها، ومن ذلك على سبيل المثال: التساهل في تمثيل الصحابة -رضي الله عنهم-، الذي سيجرنا مستقبلاً إلى التساهل في تمثيل الأنبياء -صلوات ربي وسلامه عليهم-، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن محاكاة الإنسان في أقواله، وأفعاله، وذاته، حق محفوظ له، لا يحق لأحد التعدي عليه إلا بإذنه، وهو ما يعبر عنه: “بانتهاك حرمة الحياة الشخصيّة للأفراد”، وعرضها على الملأ بحجج غير شرعية، ولا منطقية. فما بالك إذا كانت تلك الشخصيات المراد تمثيلها، هم صحابة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وحملة الدين، ونقلته، وقد اتفق أهل العلم: على أنهم صفوة هذه الأمة، وأفضلها!.
drsasq@gmail.com